أعيش في منطقة رمادية ، حيث لا قرب ولا بعد ، لا حب ولا كره ، لا أمل ولا يأس ، في منتصف كل شيء ، حيث اللّا شعور ، اللّا انتماء ، اللّا رغبة في المضيّ قدما في هذه الحياة .
أنتهي متأخرا من العمل وأتحرك في التاسعة مساء ولا صوت سوى صوت خطواتي في الشركة ثم على السلالم ثم حتى في الشارع نصف المعتم...كأنها الثانية صباحاً.
أقف حائرا ومتعبا أفكر في محفظتي وأقرر في النهاية ألا شيء يستحق...وأن "كلها محصلة بعضها" فأقرر طلب أوبر سكوتر ليأخذني في مسافة هائلة ولمدة ساعة إلا ربع نصعد كوبري وننزل من آخر ونعبر مناطق شاسعة في القاهرة نصف المعتمة وندخل من حواري تنتهي بشوارع واسعة ومضيئة وممتلئة ببهجة غريبة كدت أشعر مع علو صوتها بالخجل من كون ذلك الصوت يصل إلى جيرانهم في الحواري...لكني ركزت في رحلتي وراء السائق الشاب الأصغر مني بكثير على ما يبدو...
من وقت لآخر أنظر إلى نفسي في المرآة وأرى شبه ابتسامة لا تتفق مع الدموع في عيني...دموع السعادة بالجو والتجربة المختلطة بدموع كل شيء سيئ آخر بين ندم ووحدة وشوق وهم وتعب.
بالنهاية وصلت إلى موقف الحافلات وقفت أنتظر لساعة أخرى على ما أعتقد قبل أن أتمكن من إلقاء نفسي وسط الزحام تحت عتمة الليل إلى داخل إحدى الحافلات.
أصل إلى البيت في الثانية عشر منتصف الليل لآكل لقمة يتيمة بالكاد وأترك نفسي ترتاح أخيرا...أخيرا هدوء! لا أصدق! أحيانا أكاد أنسى ما هو الهدوء.
وأنام.
في وسط الليل أصحو فزعا ولا تكتمل المهمة بنجاح. أحاول أن أشرب مشروبا دافئا لأعيد بعض الطمأنينة إلى قلبي لكن لا جدوى. أحاول العودة إلى النوم...لكن كلا...انتهى العرض...
أجلس على الأريكة أحدق في لا شيء وأتخيلني بوجه بالغ الشحوب... إرهاق... إرهاق...
أحاول التقليب في Reels الانستجرام لكن أشعر بالصداع ينبض في رأسي وقلبي معا...نعم شعرت باختناق من الفعل المكرر... وظللت مكاني دون أن أعي بالوقت أو الكيفية اللتين سقطت فيهما على الأريكة... لأفتح عيني فيما بعد وأجد الشمس تغطيني وأنا أتكور على نفسي فوق الأريكة وكأني فاقد الوعي.
هوَ وَصْفُ بَرزَ مطْلَعَ القرنِ العشرينِ في الولاياتِ المُتحدَة، يُعرَفً المُنتَمينَ إلى هذا الجيلِ غالبًا من سِنّ المُراهقة وحتى الشَبابِ في فترةِ ما بيّن الحربيّن العالمِيَتين، بالتَحديد أعوامَ ؛ ١٩٢٠ م - ١٩٣٩ م، يكَادُ أن يكونُ شِبهَ منظومَةً فِكريّة أوساطَ الأدَبَاءِ وطبقةِ المُثقفينَ الأمريكيين.
تجَلّت حركة الجيل الضائعَ على يدِ أقطابَ الأدبَ الأمريكيّ حيّثُ أصبحوا فيما بعد أباءًا روحيين والمُتحدّثينَ بالنيابةِ عن المُجتَمعِ الذي يُعاني، وعنْ هذا الجيل بالتحديد، يعودُ جذورُ العبارةِ إلى موّقفٍ حضَرَته الأديبَةُ "شتاين" بينَ مالك مرآب فرنسيّ وعامِلِه، عندمَا وصَفَهُ ساخِرًا "بإبن الجيلِ الضائع".
أشْهَرُ رُوّادُ الجيل؛ فرانسيس س فِيتزجيرالد، إرنست هِيمنعواي، وجيرترود شتاين، توماس س إليوت، كوّنهم أيضًا عاشوا صِبَاهم في تلك الفترة وخاضوا تجاربًا غيَّرَت من رُؤيتِهم للعالمِ، تَناولت أعمالهم الأدبيّةِ مُعضلةَ الجيلِ الضائع بشكلٍ بارِز، وعنِ نمطِ الحياةِ وتحدّياتها الشَائعة في تلكَ الفترةِ، والقضايا الأخلاقيّة والفِكريّةِ الّتي تدورُ حوّلها.
نبَعَ هذا المُصطَلَح نتيجَةَ اليأسِ والإحباطِ الشديدِ بعدَ تبدّدِ الآمالِ واسْتِحالةِ رؤيةِ المُستَقبَلِ، والمَسارَ الضبَابيّ المَجهولِ بِسبَبِ تأثيرِات المابعدَ الحربِ العالميّةِ الأولى، والكَسَادِ العظيم، وارتفاعِ نِسَب العطَالةِ، والصَدماتِ النفسيّةِ الناتِجة عن الأحدَاثِ المَذكورة. يُعبّرُ أيضًا المُنتَمينَ للجيلِ الضائع بالتَمرّدِ والرّفضِ ضدَ العُرْفِ والتقاليدَ والأفكارَ والمُعتقَداتِ الشائعة في تلكَ الفترة.
أنا أيضًا أنتَمي للجيلَ الضَائع، اليوم كُلّ شابٍ وشَابَةٍ في الشرقِ الأوسَط هُم بلا شَكٍ مِنَ الجيلِ الضائع. مُناضلينَ ضدَ الأعرافِ المُقوّلبة، نحنُ من لا أمَلٌ لنا، ولا مُستقبَلٌ واضحٌ، ولا وطَنٌ يَحتَضِنُنا، ولا هويّةٌ مُعترفة، لكنّنا نملكُ بَصمَاتنا، ونُجابِهُ العالمَ بها.