حين يموت شخص ما، يلجأ المرء إلى التشبث بالذكريات وجمع شظاياها إنه صراع مستمر ضد النسيان ويعرف الكل أنه لا توجد طريقة للفوز به، إذ يمضي الزمن كعاصفة هوجاء، ويدكُّ كلَّ ما ليس راسخًا، بل إن أرسخ الأشياء أصلًا تغدو مهددة بالتلاشي.
النسيان لا يحتاج إلى جهد بل على العكس كلما بذلت جهداً في النسيان كلما أصبحت ذاكرتك عنيده يرسل الدماغ رسائله بصورة مكثفة ويعطي أوامره بعدم التوقف ، لذلك يعول الإنسان على آلية النسيان ، تلك ال��لية ليس تابعة لقرار منك ولا للزمن كما يتناقل الكثير بل هي تفرض نفسها بلا جهد منك ، يستيقظ الإنسان في يوما ماً ويجد بأن ذاكرته لأشخاص أو أماكن بدأت تتلاشى بدأت تصبح الصورة ضبابية عصية على الاستحضار بشكل واضح ، الإنسان لا يفقد ذاكرته ولكنه يفقد الاستحضار الكامل والأهم يفقد الأثر ، الإنسان يهزم ذاكرته بتلاشي الأثر
الذي يحكمنا بالآخرين هو الأثر ، الوجود هو الأثر ، وليس هناك أروع مما قاله هاروكي " " كلانا يحدق في شخص لم يعد له وجود""
ظن الناس أننا تخطّينا الأمر جيدًا، لكن الغياب حفرة لا نهاية لها ينساه المرء أحيانًا، لكنه لا يتخطّاه يحسب الناس أمورًا كثيرة، لكنها في الحقيقة ليست كما يحسبونها.. يحدث هذا دائمًا حينما لا يعيشون تحت نفس السقف الذي تعيش تحته، وحينما لا يسكنون نفس الجسد الذي تسكنه، وحينما لا تلاحقهم نفس الأطياف التي تُلاحقك. يتعلم المرء خداعهم بالابتسامات وعبارة "أنا في خير حال" التي يقولها بعفوية، فلا يشتبه أحد في نقيضها.