لم أكن أحلم بقدومك لكنك كنت تجلس تحت الشجرة، مسهبا ولم تطلبني، كنت أكبت رغبتي في الذهاب إليك، وكنت في الوقت ذاته أود بكل يتم الطفلة التي بصدري أن أركض إليك، وأبكي ملئ الغربة التي تورق في جوفي وتعتصرني ظللت واقفة من نافذتي أرقبك، وجهك عكر بثقل الأرض كلها تحدق في الفراغ الذي ينبش في أعماقنا الأشواق المدفونة ويحمل لهاث أرواحنا من تعبه نحو الشمس التي لا تشرق على هذا الحب. الخيبة التي تجرعنا علقمها تقحمنا في خطوط التيه وتذيبنا فيها ثم لا نجد أنفسنا، نفقدها حيث فقدنا كل شيء وحيث تركنا المر كله يعبث بالأمل. أقول لك كما أقول لنفسي أرجوك تعال لنكسر خوفنا، لنمزقه ومن ثم ننفثه في اللامكان ونذهب متشبثين بالحياة وبحبنا.
لقد حاولت مرارا أن أتجنبه ، أقسم لك ، لكنه الباب الوحيد المفتوح في جدار الصمت هذا : شعور أنك لا ترغب في محادثتي ، و على الرغم من أنني لم أصل إلى السبب بعد ولا أفهم ( لما) فإنني أستمر بالكتابة لك . عادة قديمة سيئة تلازمني : إن الحديث داخلي_ وداخل أي بشري _ لا ينتهي حينما يقرر طرف واحد من الطرفين إنهاءه ، إن خيط الوصل الذي يُقطع من طرف واحد ، سيُعاد وصله مرة بعد مرة من الجهة المقابلة ، يوصل " بعَقدِه" ، أتتخيل ، على المدى البعيد ، أيها العزيز، كيف سيغدوا شكل هذا الخيط الرفيع الناعم ؟ خيط مليء بعقد ، عقد تحول دون وصول أي شيء بذات شفافية إرساله : سيتشوه ، و يشوه معه كل شيء . أترضاها له؟ لي؟ لك؟ و لنا؟ .. لا أدري . ربما لا تفكر بالأمر .. ربما لا تهتم .. ربما إعتدت الخيوط المقطوعة التي تلوح كأيادي الوداع الأبدية في السماء . غير أن هذا الخيط ، موثق بقلبي لا بيداي .. وخيوط القلب إن قُطعت : تنزف .
العزيز شعلة ،
لا أخفيك ، أن الرسائل التي تصدر مني الآن توقد بيني و بين نفسي شجارات طويلة ، فأنا أيضا لست أدري من الذي وضع الحب و الكرامة في جهتين متقابلتين متضادتين : أبيض ، و أسود كما لوحة شطرنج لا يفوز طرف إلا بالاطاحة بالآخر " كش ملك " : قلبي كان الملك في كلا الجانبين " . لست حزينة جدا ، ليس لأن الأمر غير محزن ، بل لأن الحزن ماعاد يجدي ، ولا يستجدي رحمة أحد . لذا ، هي دائما اللابأس الثقيلة الأبدية الـ "لابأس" .لكنني لن أنكر أيضا _رغم معاناتي معي_ أنني أقف دوما في صف "الحديث" ،أنني أؤمن جدا أن لا أحد منا يورث كلامه لأحد كي يقوله عنه ، أنني ، أفضل أن أقول ما بصدري على أن أدفنه حيا ، أطلقه كعصفور ، حر ، إقتات طويلا على فتات قلبي ، حر ، حر أن يذهب دونما عودة ، أو أن يعود ذات ليلة بنبأ مبين .