١- إصابة وجه الحقيقة. ٢- هو السداد. ٣- هو السير في الإتجاه الصحيح.
فإذا أرشدك اللّه فقد أوتيت َخيرًا عظيمًا، و بوركت خطواتك. ولذلك يوصينا اللّه سبحانه وتعالى أن نردد دائمًا: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 24].
فبالرشد تختصر المراحل، وتختزل الكثير من المعاناة، وتتعاظم النتائج، حين يكون اللّه لك «وليًا مرشدًا».
وحين بلغ موسى الرجل الصالح لم يطلب منه إلاّ أمرًا واحدًا وهو: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]. فقط «رُشدًا».
وعندما يهيئ المولى سبحانه وتعالى أسباب الرشد لنا، فإنه قد هيئ لنا أسباب الوصول للنجاح الدنيوي والفلاح الأخروي.
علمتني ألحياة أن أسمو بذاتي عن ذاتي لاصل لنبع ذواتي ، و أن ألامس المقام الملكي للروح ، فلقد همست لي انني تمردت على العادات و الأعتيادات ، فردت جوارحي بجوابها : " انا لن استصيغ الملل ، و لن أقعد دون عمل ، و لن انصاع لعبودية الإمعة و الخذلان " .
سألتني العبودية مستغربة :" من انت كي تثور علي "
رددت بصوت روحي :" أنا الطائر الرخ الاسطوري الحر الذي يرفض القيود و السجون و يسبح طائرا في كل الأكوان .
أنا من يرسل مرسال جوارحه انني احب ما أفعل و أفعل ما أحب ، و أجوب الأكوان بذاتي كي ارتشف معاني الحكمة و اسرار الحياة كي اسبر أغوار العوالم الأخرى ، أنا العبد الفقير الى ربه ، تتناغم جوارحي بمألوفها الروحي ، و تنسجم مع توائمها في عوالم المحسوس لا الملموس "
انا أيتها الروح الطوافة تواق إلى الحرية ، فيا ليت العبودية توقفت ؛ بل زاد استغرابها و قالت :" فهل أنت هو طائر الرخ الأسطوري؟ "
قلت :" نعم ، بل انا طائر الرخ الحقيقي ، أجوب الكون بين العوالم ؛ و انثر الحرية بلى قيود و قد ادمنت النظر في خوافي الوجود حتى صارت ملامح وجودي في عيون العاشقين خرافة .
فأنا اطير و اسبح بين نور السلوك و صفاء الحمأ المسنون من دار الخلود . "
قالت :" يا هذا لا تثقل علي فأنا العبودية التي اخضعت العباد لقهر الاستعباد "
رددت قائلا :" بل أنا من جعل الحب و ما أحب بين لحن للجود في حضرة رب الوجود ، و أعلنت حريتي له في كل السجود ، و قد نبض قلبي اللا محدود بعطاء المولى المعبود ، أذكره في وردي و خلوتي فيذكرني في نفسه و اذكره بين الأنام في جولتي كي يذكرني فيمن هم خير مني "
" انا من تذلل في كنف الحي القيوم ، فكانت الحياة بلسما لمن حولي و لكل العوالم ، و انا من أساله سبحانه لي و للغائب الخير فلا يرى جمال الوجود و سخاء الجود من المولى المعبود احد غير من لامس حقيقة الوجود ."
قالت :" زدني يا من استعصى على استعبادي "
قلت :" يا هذه إن المقام الاجمل في حياتي و سلوكي يوم اصمت صمتا مطبقا عن مقابلة الاساءه بالاساءه ، و أضرب عن اللغو في الكلام دون إساءة ؛ و أسمو في مدارج اليقين إلى مقام الحياة ؛ و أتمتم صدقا لا محاباة سامح الله من آذاني ، و اتصدق لهم من حسن معاملاتي، و أدعو بالخير و الصلاح للإنسانية جمعاء ، و لكل من و ما يدب على الكون من موجود ، فهذا هو مقام العبادة الحرة ."
قالت :" ثم أي ؟ "
قلت لها :" يا أيتها العبودية ؛ أما تعلمين أنني خلقت من أصل الجنان ، و ان عودتي إلى المولى المنان ، فلا داعي لأن تستميلي نفسي ؛ فعندها سوف يصيح القلب بوركت من روح تدرك معنى الصبابة و الإحسان "
" يا هذه العبودية المقيتة ، إليك عني فها قد اخذت تمتزج كلماتي بعطر الكون ، و تجتمع عطور الأنفاس إلى أنفس الأنفاس حيث المقام الملكي للروح ؛ و حيث اطمئنان النفس ؛ فحينها ينادي المولى سبحانه :
" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي "
فهلا تبتعدي عني كي تجد الروح الجنان التي تزينت امامها ، ثم تنسكب كلماتها انسكابا فتتغير رائحة العطر من عطر أدمي الى رياحين من فردوس أزلي الى عطر بنكهة العشق المولوي. "
قالت في استغراب :" أو كل هذا في مقام الحياة الملكي ؟"
قلت لها :" أي و المولى ؛ بل اكثر مما تتخيلي ، فعندما تكتب في صفحة حياتي زلة او عبارة خاطئه تمحها الحياة بالتقرب الى المولى المنان ، و بالتذلل و الإذلال للأمارة بالسوء ؛ و تكتب بدلها عبارة صحيحه عنوانها الاستغفار و شعارها : " قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم "
عندها أتذكر بل أذكرها :" ان الحسنات يذهبن السيئات "
تلك هي لحظات الحياة الملكية الجميله التي أناجي فيها ربي و مولاي ، و انا مخطئ متذلل إليه ، فيراني متقلبا بين الخوف و الرجاء ، فتستغفر لي جميع الخلائق ، و يفرح سبحانه بعودتي إليه كفرح الرجل الذي عادت إليه راحلته بعد التيه ."
قالت متعجبة :" و ما جزاء كل هذا ؟ "
قلت دون تردد :" أضع نياشين القرب بل و أتزين بتحسينات الجمال في درب الدلال إلى المولى المتعال ، و أجمل يومي بل جميع أيامي بلهج الوصال ، فلا انسى ان كل شخص في هذه الحياة يخطئ ، و خير الخطائين التوابون ، و ببساطه لولا الخطا لما كان الاستغفار و لا الغفران ، و لأن صحيفة كل واحد منا قد تتلطخ بالسيئات فما علينا إلا أن نزينها يالخيرات كي يكتمل بهاؤها بالحسنات ، " و اتبع السيئة الحسنة تمحها " ، و كل سيرى صحيفته التي كتبها ، و لربما تنتهي اوراق كتابي و لا أجد احدا يعطيني من اوراق كتابه ، لذلك احرص ان يكون دفتري متزينا بعمل الصالحات ."
قالت و هي تتأسف :" ما اجمل ما حكيت "
قلت لها :" جميل إن أنا إلى أتيت ، فأنا لله من نعمه رأيت ، و إلى جنابه اقبلت و أويت ، و من رأى ما رأيت تمنى ان يكون له من المولى ما تمنيت فاعطيت. "
قالت :" زدني و لا تحزنني "
قلت لها :" ليكن الصمت اناقة في مقام السلوك الملكي ، و لتكن للاجسام مجلدات من كلمات لا تقال بل تحس ، و مشاعر تتجلى و النفس منها تتحلى لتبارك بالنضارة امام ناظريها ، و تلتقي بعنفوان الحياة الأبدية ، و لتشد على يدي كي تأخدني الى سدرة الصفاء الداخلي و المقام الملكي ، و ما احلى و اجمل من ان احيد بنفسي و روحي و قلبي عن الغوغائية و الإمعية المطبقة على الأنفس العامية ، فتلامس يداي مشاعر الجلال و الجمال و تعانق اقلامي قلوبا متعطشة للوصال ، و تلتحم انفاسنا و تلتصق الوان لوحاتنا السريالية مع بعضنا ليكون للحديث مذاق الانعتاق و لذة الاشتياق ، لا دناءة الانسياق ، و لنرتشف أكواب العسل لذة للشاربين و قوارير اللبن المصفى من المشاعر الممزوجه بالاحاسيس الراضية المرضية للنفس المطمئنة الممزوجة بحلاوة الايمان الى لذة الإحسان ، و ليكون المذاق عذبا رقرقا تتصاعد منه نبضات الوجود بالموجود لله المعبود ، و علامات الرضى قد لامست الروح كل حين ، فنرتشف كاسا بطعم الحب الإلهي ."
قالت :" أي و ربي ، قد سلبت سطوتي"
قلت لها :" لا ، و لكن سوف أختم ملحمتي التي كانت كلماتي منها إليك خجوله ، و لا ترقى لسداد مديونتي لمشاعر الوصال الفياضه من مداد ابتسامة الحياة الملكية ، و لتعرفي ماذا يعني الرقي بالنفس للمقام الملكي ، فترتوي روحي و روحك من كلماتي و من عين مشاعري فتجري وديانا تكتب : " و عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما " فيكون الجزاء من رب العطاء هو : " أولئك الذين يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية و سلاما "
ثم قلت لها :" هل وفيت و كفيت ؟ "
قالت :" أما يكفيك انك اعتقتني من عبودية الإذلال إلى مقام الحياة الملكية في ملكوت رب الجمال و الجلال ، و حررت روحي من الاستعباد إلى حرية العبادة و عبادة الحرية لرب العباد ؛ فهذا لعمري هو المقام الملكي "
حقيقةً اتمنى لو الكل يتابع مدونتك ويشوف كتاباتك لانها تختصر كثير أمور مركزية مهمة في حياة كل مسلم، بوركت 👏🏻
بارك الله فيكم، أتشرّف بهذه الكلمات، وهذا مِن طيب أخلاقكم وحسن ظنّكم .. أسأل الله الإخلاص والبَرَكة والقبول، وأسأله سبحانه أن يجعلنا خيرا مما يُظنّ بنا وأن يسترنا ويغفر لنا ما خفي.
ما الذي طلبه أصحاب الكهف حين أووا إلى الكهف وهم في شدة البلاء والملاحقة؟
إنهم سألوا الله تعالى "الرشد"، دون أن يسألوه النصر، ولا الظفر، ولا التمكين! {… رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةࣰ وَهَیِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدࣰا }
فإذا أرشدك الله فقد أوتيت خيرا عظيما، و بوركت خطواتك!
وبهذا يوصيك الله أن تردد : {وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}
بالرشد تختصر المراحل، ويختزل كثيرًا من المعاناة، وتتعاظم النتائج حين يكون الله لك "وليا مرشدا"، لذلك حين بلغ موسى الرجل الصالح لم يطلب منه إلا أمرا واحدا هو: {… هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰۤ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدࣰا } فقط طلب الرشد.
فإن الله إذا هيأ لك أسباب الرشد، فإنه قد هيأ لك أسباب الوصول للنجاح في الدنيا والاخره.
أخوتي في الله لا تنسوا قراءة سورة الكهف.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدًا، وافرغ علينا صبرًا، وثبت أقدامنا على الصراط، وتجاوز عن سيئاتنا وبدلها إلى حسنات. اللهم آمين