عند قلمي السَّائل أجلس بوقار وأنحتُ مشاعري بكل ما أملك من شعور حزين أو سعيد ! ، وأرتمي في أحضان كل جملة أستخرجها من هذا القلب النازف ، لعل النزيف يقف عند حالة من هذه الأحوال التي أكتبها لكم أيها السادة ! .فادخلوا هذا الوادي وطالعوا جنباته ، ففيه أسى لا يُرى ولكن يستشعره كل عابر ومستوطن ! .
مَن جُبِلَت نفسه على السُموّ والرِفعَة؛ سيُحِبّ رؤية الإنجازات وهي تنمو، والنجاحات وهي تسمو، والبناءات وهي تعلو، والحقول وهي تُزهِر، والنفوس وهي تُبنَى، والثغور وهي تبتسم، والحياة وهي ترتقي، وسيسعى دومًا إلى تحقيق ذلك؛ لأنّ هذه المعاني تُشبهه وينتمي إليها ! .
و هذه قاعدة من القواعِد الأربَعين ؛ إذا أراد المرء أن يُغيّر الطريقة التي يُعامله فيها الناس ، فيجب أن يغيّر أولاً الطريقة التي يُعامل فيها نَفسه ، و إذا لم يتعلّم كيف يُحبّ نفسه ، حُبّاً كاملاً صادِقاً ، فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يحبّ ، لكنّه عندما يبلُغ تلك المرحلة ، سيشكُر كُل شوكة يُلقيها عليه الآخرون ، فهذا يدُل على أن الورود ستنهمر عليه قريباً ! .
توقف قليلاً ثُم أضاف :
كيف يمكن للمرء أن يلوم الآخرين لأنّهم لا يحترمونه إذا لم يكُن يعتبر نفسه جديراً بالاحترام ؟! .
بدلًا أن تلوم غيرك تحمّل مسؤولية نفسك، البعض يرفض حلولًا تعرض عليه بسبب أنه يعتقد أنه لم يتسبب بالمشكلة، ربما هذا صحيح، لكن آثار المشكلة قلبت كيانك ولابد من فعل شيء، كلمات مثل "كان يُفترض أنه....." لن تجدي نفعًا، لابد من اتخاذ إجراء وليس كل فعل تفعله تحبه، بعض الأفعال مزعجة لكنها ضرورية، وسبب قيامك بها ليس بسبب تنازلك بل وعيك نحو تحمّل المسؤولية ! .
لا أكثر خسارة…من انشغل بحياته عن تكوين أسرة، لا يشعر بها الآن، يشعر بها كلما تقدم به العمر، في مرحلة ما يصل الإنسان لحد الشبع في الجري وراء المال والمنصب والممتلكات، حينها لا شيء مهم سوى جلسة الأبناء والأحفاد، فهي قمة المتعة والتسلية والشعور بالسلام الداخلي ! .
يتجَلّى جمال الإنسان الحقيقي حين يحمل روحًا طيّبة، تتّسم بالخير والنقاء، وتحب العطاء والبناء، ذات منطوق حسَن، ووَجه طلق، ولِين يمنعها عن الإيذاء، تتحلّى بقِيَم سامية ترتقي بها دومًا إلى العلياء، وترفعها عن رذائل الأشياء؛ وهُنا حقًا يتبدّى جَوْهر الجمال الإنساني ! .
من أعجب ما اتفق لي أني فرغتُ من تسويد هذا المقال ثم أردتُ نقله، فتعسَّر عليَّ وصُرِفتُ عنه بألمٍ شديد اعتراني، ونالني منه ثَقْلة في الدماغ؛ ثم كشفه الله بعد يوم فراجعتُ الكتابة، فإذا قلمي ينبعث بهذه الكلمات:
كيف يستوطئ المسلمون العجز، وفي أول دينهم تسخيرُ الطبيعة؟
كيف يستمهِدون الراحة، وفي صدر تاريخهم عملُ المعجزة الكبرى؟
كيف يركَنون إلى الجهل، وأول أمرهم آخِرُ غايات العلم؟
كيف لا يحملون النور للعالم ونبيُّهم هو الكائن النوارني الأعظم؟