تحت غطاء السماء المرصعة بالنجوم،جلست عائلة فى فناء واسع أمام المنزل تم اعداده بمقاعده الخشبية بين شجرتى البرتقال وتحت تعريشة العنب لجلسات العصاري والسهر ، جلسوا جميعهم في إنصات وصفاء زهن واستحضار لجمال مايسمعون من عزف ابنهم على آلة الكمان
عزفٌ جميلٌ ولحنٌ يطرب الاذان سماعا له ، يستمع الأب في فخر، كما يبدوا على نظراته وملامح عينيه،ابتسامة الام وفرحتها بوليدها وفلذة فؤادها يعزف لحنا عذبا تخلع له قلوب الجبال، وأخت جميله تفتخر بصنيع اخيها،كانت تحمل فرحة غامرة لكل جوارحها وكيانها،لابتسامته وفرحا لفرحته ونجاحه، إياد صاحب العشرون عاما يحب العزف والموسيقى،لايكف عن العزف يؤلف مقطوعات ، ومقطوعات ،حتي نجح اخيرا أن يؤلف لحنا جديدا طلبه منه أحد الاصدقاء، لقصيده كتبها.
أما أخته حسناء،الصبيه الجميله صاحبه العيون الزرقوان ،كصفاء السماء ليلا بنجومها اللامعه. مازالت فى اول مراحل التعليم الجامعي،مرتبطة بأخيها برباط الاخوة دما،والصداقه حبا واخلاصا، متقاربان،متفاهمان.
كان ابوهما الحاج ابراهيم صاحب حقل البرتقال، مزارعا ميسور الحال،رجل حَسُن الأخلاق والطباع،استطاع فى سنوات عمره الماضية أن يزرع نبتتان صالحتان في بيته هو وزوجته،والان يجني من ثمارهما خلقا طيبة،وعطرا يفوح من ملامحهما.
أسرة تَمنّى الكثير منا أن يكون احد افرادها،يحبون الحياة يحبون الخير،ويحبون أنفسهم واسرتهم ،اسرة تحب الحياه،متصالحة مع نفسها.
إن التربية السليمة القائمة على العادات الطيبة من الفطرة.
القيم الراسخة من العقيدة السمحاء،قادرة على بناء الامم.
إن نهضة مجتمعاتنا تحتاج الي أسرٍ تحب الحياة وتحترمها،تجتهد وتعمل،تنتج وترضي،ثم تحصد ما زرعتة نجاحا وسرورا.
تذكر الأب ايامه الخوالي، وشبابه الماضي وجلساته،بين الاصدقاء فى ليال السمر والسهر.
يستمع الى عزف ابنه لتلك المقطوعه ذات المشاعر الشجيه،تقلب فى الفؤاد اشواقه وتشعل حنينه الي الذكريات.
تتبسم ضاحكا من موقف مر على طيف ذاكرتك منه مشهد ،تتذمر شاردا بين الحان الكمان عزفا وبين كلمات صداها يتردد من الماضي.
ربما مرعام، او عامين ، بضعة اعوام، ثم تعود تتذكر ملامح الشيب فى رأسك فتدمع عيناك، حمدا على ما بلغت من العمر.
يمر العمر دون أن تشعر به بيز أحبابك فى قريتك الصغيرة ،الطيبه.
هنا زهور التفاح،وغصن الليمون،واشجار الزيتون
إياد يعزف شاردا بين النجوم اللامعه،يحدثها وتحدثه ويضاحكها وتضاحكه،ثم يروح ذهابا ومجيئا يبحن غن قمر ليلته المختفي خلف سحابة بيضاء مثل الثلج عبرت،
انتهي إياد من عزفه على الة الكمان،ليعود لواقعه المحيط،ركام فوق ركام،شرود فى خيال وضباب فوب ضباب، عيوز السمع تقطر سحات من الدمع الملوث برائحة البارود.
ينظر من حوله. لم تبقي الا المقاعد والاشجار، مصفرة اغصانها،تساقطت اوراقها،وتراكمت مابين تلك وذاك حطام.
جدران البيت مهدمة،وسكان البيو قد رحلوا دون رجوع.
سقطت على بيوتهم قذيفة سلبت من ارواحهم حياة،ووطنا،بيتا ومآوي.
لم يبق منهم الا إياد،كُسر الكمان ولم يبق الا صوت الاحزان.
هنا موطن ماقبل الصراع،وهنا مدفن فيه الضياع،
وهنا حكاية،عزفت على لحن الكمان.
وإن خيروك فماذا تريد؟
ولو اجبروك على صوت الرصاص!
ولو اخبروك فماذا تجيب؟
أريد الكمان وليس الرصاص وصوت المدافع،أريد البيوت وليس المدافن.
اريد الزحام وليس الحطام،ونجم السماء اللامع ليلا،وليس بريق ازيز الرصاص، اريد الخلاص،فماذا اقترفنا،وماذا فعلنا لنصبح ركام.
كان هذا اخر ماتبقي من حديثه،بعد عودته الى الواقع الممتليء بالحطام من حوله.
ثم ماذا بعدها،قلب ممزق،ومشاعر بعثرتها الليالي خوف، وصمت يؤجج العقل افكاره بالذكريات،وحدةٌ داخل عزلة اجبارية،أصبح يسكنها وتسكنه،ولكنه لم يستسلم،
دخل الى بقايا منزله ليبحث عن آلةالكمان ليعزف لحنه،سقطت قذيفة أخرى فوق حطام منزله فأمسي رمادا بعد نار محترقه.
رغم اني أستيقظ مبكرا احيانا ، الا انني اشعر ان يومي -عادة- يبدأ بعد الثانيه ظهرا - مجازا- ، بعد أن ينتهي دوام العمل الحكومي مثلا ، وبعد أن يستيقظ الجميع ، وتنتهي دوامه الطلبات الصباحيه ويهدأ الصبيه ، وتبدأ الامور في الاستقرار ، ويبدأ السكون في الانسلال بين جنبات الحجرات ، وتهجم نوبات نعاس خفيفه مع غياب ما قد يريد المرء أن يفعله ، تنتهي بالبقاء مستيقظا بلا هدف واضح ، سوى تجنب مزيد من نوبات الانفعال و"الدربكه"في الارجاء.
ارغب كثيرا في استدراك ما فاتني ، اشعر ان عمرا قد مضى ، ولم ادرك ذلك ، ولا ادرك ذلك إلى الان أيضا بوضوح ، كلها محاولات مليئة بالتخبط ، تبدو كثير من الأمور معقده ، وما قد تعده إنجازا ، قد يراه آخر لاشيء وهكذا ، وأدركت مؤخرا أن أفضل ما قد يستثمر فيه المرء هو العلم ، اظن ان الفتره الحاليه والقادمه ، يتسع المجال أكثر للقدرات والتميز ، أن يكون المرء قادرا على فعل مهارات معينه ، الوظائف التقليديه موجوده ، لكن هنالك اماكن مميزه للمُميزين.
مؤخرا ، صرت اعتزل الناس والكثير من الأشياء دون وعي كامل ، دون اراده قوية ، سوى اني افلتُّ يدي عن الكثير ، لم اتمسك بشيء ، في لمحة سلبيه جدا مني ، لكني في الحقيقة صرت اخاف الأشخاص/الاشياء ، اخاف التعلق بحبال وهم باليه ، لا تودي بي الا إلى هاوية جديده ، أدرك جيدا أنه في تلك الأثناء يفوتني الكثير والكثير ، لكنني ارغب في سلام ما ، وكأني عقدت هدنه مع كل الاشياء حولي ، أن تتركني في سلام ، وليته يحدث ، ليته يكون ، وكما قُلت مسبقا ، اقف على مسافة واحده من الأشياء ، لا اقترب ولا ابتعد ، هل هناك ماهو اسوء من ذلك؟!