أقاتل وحيدًا في درب دنياي، أحارب نفسي وشيطاني والفِتن، يظلمنى هذا ويُحزنني ذاك، وتستدرجني ذنوبي إلى ما لا يُطاق، وأذرف دمعي حزنًا على حالٍ لا أرتضيه .. ثم يوصلني حُزني إلى مستوى لايليق بعبد من عباد الله، فأتوضأ وكأني أغتسل من همِ الدُنيا ثم أسيرُ إلى محرابي الصغير بحجم جسدي الكبير، بحجمِ العالم، فأقف بين يديه سبحانه رافعًا يدي لأقول "الله أكبر"، الله أكبرُ من حُزني، أكبرُ من هَمّي، أكبر من دنيا ما أبتغي منها سوى رضاه، أكبر وأعلى ممّا كانَ سِواه.

" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " ما أريد سواك يارب، ما أبتغي سوى مَحبتك، لك كل ما أفعل، ولك كل ما أسعى لَه، أستعينُ بكَ على حُزني، وعلى ذنبي، وعلى سوءِ نفسي.

"آمِين" آمين لكل دعاء في قلبي ذكرته لك في خُلوةٍ، آمين لكل دُعاءٍ لم أذكره وأسررته في نفسي وأنت تعلم ما نفسِي ولا أعلم ما في نفسِك .. أنحني تقديرًا لعظمتك، وأنحني وفي انكساري لكَ منبعُ قوتّي.

"سمع الله لمن حَمده" . قريبٌ أنت حتى تسمع حمدي، قريبٌ أنت حتى تسمع همسي.

أهوى ساجدًا فقد طال بيَ الأمد، قد حان وقتي للكلام بحديث حتى ذاتي لا تفقه منه شيئًا، أخرج ما في صدري، ما كتمته عن الناس وكتمته حتى عن تفكيري، أبثه مايعصى عليّ جَمعه، يارب قد آذتني نفسي فأدّبها، يارب قد هوت بي إلى المهاوي فانتشلها، يارب، يارب برحمتك.

"السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" ثم أقوم لمواجهَة العالم وأسوأ ما فيه بأقوى سلاحٍ وُجد، أضمّد جروح عِباده وأمتص من حُزنهم مايدعيني لتكرار تلك الكلمات.

‏أكتبُ إليكَ من محلٍّ مُوحِشٍ لبُعدِك ، بلفظٍ مُضطرب أنِسَ لذكرك، واستوحشَ إلى رؤيتك، ولو كُنتَ قريبًا منّي لكان هذا كلّه مطرحًا، والأمل مُدركًا، والعائقُ مرفوعًا، والزمانُ نَضِرًا، والدّهرُ محمودًا والسلام

ترقّب / تفكير

Except / thinking

فاضت جروحُ فلسطينٍ مذكرةً

جرحاً بأندلسٍ للآن ما التأما

‏يا أمةً غرها الإقبالُ ناسيةً

أنَّ الزمان طوى مِن قبلها أُمَما

سيُلحقونَ فلسطيناً بأندلسٍ

ويعطفون عليها البيت والحرما

إن الإنسان الذي يستطيع أن يكون شخصية مستقلة قائمة بنفسها -وليست صورة منسوخة من إنسان آخر- ليستحق كل إعزاز وتقديس؛ لأن مثل هذا الإنسان -إن وُجِدَ- كان آية الآيات ومعجزة المعجزات.

فالإنسان مُقَلّد بفطرته، لا يكاد يستحسن شيئًا حتى يأخذ في تقليده جهد الطاقة؛ فهو لذلك أسير التشبّه، ويفضل على الدوام أن ينسج على منوال غيره من أن يتشبه به إنسان آخر، وبالإجمال فكل حركاته وأطواره تقليد ومحاكاة.

إنّما أشكو بثّي وحزني إليك ليس فقط لقدرتك المطلقة.. ولا لكونك الوحيد القادر على محو هذا الحزن من جذوره لكن وبشكل أساسيّ، كونك الوحيد الذي يعلم وبدّقة، كيف حدث هذا الشيء كلّه وكيف آلت الأمور إلى ما آلت إليه.. لأنّه وخلال هذا المشوار الطويل القلِق، أنت من كان معي خطوة بخطوة.. ونفساً بنفس.. وتعلم جيّداً أنني بذلت كلّ ما في وسعي، ضمن حدود معرفتي وقدراتي لينجح الأمر ومع ذلك لم ينجح.. ستفهم أنت ذلك ولن يفهمه غيرُك

لهذا تحديداً أشكو إليك أنت يا الله لأنّه لا حاجة لي أمامك للشرح المستفيض المؤلم، ولا سوق الأدلّة والتبريرات المعرّضة للتشكيك.. ولأنّك ستفهم كل ما في قلبي سواء ما نطقه لساني أو ما حبسته الدموع.. ولأنّي أعلم منك ما لا يعلمه الناس أشكو بثّي وحزني وما أنت أعلم به منّي، إليك.. فلا تردّني خائباً يا الله

في قلبِ كلٍّ منَّا جرحٌ كبير، لا نحبُّ لأحدٍ أن يلمسَه، أن يحكيَ عنه، أو أن يذكِّرَنا فيه. جرحٌ يهدأُ لكن لا يَنام، وتقومُ قيامتُه عندما يتكرَّر المشهد مع مَن حولِنا، فلكأنَّ المرء قائل: أنا أعرفُ طعمَ هذا الوجعِ جيِّدًا. يومُ مَن فقد ليس كيومِ مَن لم ي��قد، وأُمسياتُ مَن دفن ليست كأُمسياتِ مَن لم يدفن، وصباحاتُ مَن تألَّم فتعلَّمَ ليست كصباحاتِ مَن لم يخضِ التَّجربةَ بعد. يهونُ الطَّريق على مَن رضيَ بقضاءِ الله واستسلمَ لقدَره، ويصعبُ جدًّا في عينِ المتأفِّفين. على المرءِ أن يجمِّلَ النِّهايةَ في نظرِ أخيه، وعليه كذلك أن يُعلمَه بالنَّوائبِ الَّتي ستفاجئه وهو يسير. لم يختَر أحدٌ ألمَه، لكنَّنا وبطريقةٍ ما، شاركنا في إيقاعِ ذواتِنا فيه. مَن قام مرَّةً وحدَه، سيقومُ دائمًا مكتفيًا بنفسِه، ومَن اعتادَ ألَّا يقومَ إلا بمساعدةِ الآخرين، سيدوسُ عليه الآخَرون، ويُنسى

وددتُ لو احتضنتُ كل إنسانٍ أغضبتُه أثناء عصبيَّتي، أو ربما جرحته في وقت انفعالي، أو شعُرَ من ناحيتي بأي ظلمٍ كان، أو أحسَّ الخِذلان مني في موقفٍ ولو كان عابرا، كم وددتُ لو اعتذرتُ له حتى يطمئن ويرضى؛ أوضِّح له أنني -أبدًا- لم أكن أقصد، وأقبِّل رأسه وإن لم يوافق، أبيِّن له أنني لستُ سيئًا بتلك الصورة التي أخذها عني؛ وأني صادقٌ في كل مشاعري وأن كل شيء معه حقيقيٌّ من قلبي، كم وددتُ أن يسامحني مَن لا أستطيع إليه بالاعتذار وصولًا، ولا يبلغ جهدي لرد دينه طولًا، ولا تسعفني الظروف كي أطوي المسافات لأسمع منه: اذهب قد عفوتُ عنك

اللهم هذا اعتذارًا إليهم وقبلًا إليك، فأعنِّي على أن ألقاك وليس على ظهري حقٌّ لأي أحد، واقبضني خفيفًا خفيفًا وأنت راضٍ عني

كل مقاصِد الدنيا مُقترنةٌ بالسَّعي، وكل السعي مقترنٌ بالغريزة. و كل غريزةٌ إمّا هي حبٌّ، وإما خوفٌ..

نسعى لكسب العيش، إما حبًّا في الحياة، وإما خوفًا مِن الفقر.. نتوقُ لرِفقة الأحبّة، إما حبًّا في الوِصال، وإما خوفًا من الوحدة.. فإن ساد الخوفُ؛ زحفنا إلى المقاصد قلِقين، تُثقلُنا رهبةُ المجهول، وإن فاق الحبُّ؛ انطلقنا إلى المقاصِد راغبين، تغمُرُنا لهفةُ الوصول

ثمّ إذا دعا ألحَّ في دعائه، ثمّ إذا ألحّ أجهش في إلحاحه، ثمّ إذا أجهش اغرورقَت عيناه، ثمّ إذا اغرورقت عيناهُ دمعتا، ثمّ سكتَ اللسانُ في حضور الدموعِ ويكأنّ الدُّعاء والإلحاح فيه لم يكونا إلّا لأجل استدعاءِ مداد عينه؛ فإنّ اللسانَ يستدعي القلب، فإذا استجاب القلب استدعى العيون، فإذا استجابت العيون خشعت الأصواتُ للرَّحمن.. فلا تسمعُ إلّا صاغرًا يبكي، وعظيمًا يُدبّرُ أمرَ المسكينِ الباكي فلا يرفعُ من سجدته إلّا وقد استجاب اللهُ له.

قمة الأسى أن يقرضك الله عمرًا حسنا، تَحُفُّـه الصحّة، ثم تبدِّده في معارك هامشية، وأهداف سطحية، وميادين تافهة، تدركُ بعد أن تُهدرَ سنينك؛ أنها لاتستحق!

مثل ما قال د.غازي: ستدرك في وقت متأخر من الحياة، أن معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية اشغلتك عن حياتك الحقيقية.

خلال العامين اﻷخيرين، تعلّمت دروسًا كثيرة أكثر مما استفدتُ منه في سنواتي اﻷصغر، هذّبَت لي نفسي بهدوء ومراعاة .

سبحان الله الذي زيّن لي بصيرتي بالرحمة للعباد، وبالحكمة لفهم حال الدنيا، هذا الذي يحوز شيئًا لا أملكه يشتهي شيئًا ثانيًا، وذاك الذي يتغنّى بأشياء، و يفتقد شيئًا أمتلكه بإهمال، قد يتمنى اﻵخر التفاف أسرة، وقد يرجو آخر الرحمة التي في قلبي، وقد أشتهي أنا اﻵن أشياء ستبهت في عيني بعد سنوات، كلنا مساكين، ﻷنها دنيا ناقصة، لا تكتمل ﻷحد، فأقولها بملء رضوخٍ هادئ وقناعة: لا يوجد هناك بشراً أفضل من الاخر ..

كلنا نواقص أولًا ﻷنّ الحياة الدنيا جُبلت على عدم الاكتمال، وثانيًا ﻷن طبيعة النفس البشرية الطمع للزيادة مهما تملّكت ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ لا يهذبّها إلا ترويضها بالتذلل إلى المعبود ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾. وﻷنّ الله يعاملنا بالعدل، لا بالمساواة فلا يوجد امرؤ على سطح هذه اﻷرض أحسن حالًا مني ومنك إلا من فاز بالسلامة واليقين في قلبه ونجا.

“يا صاحبي إنّما الناسُ كالجبال، ليس في الصلابة، وإنّما في الجزء المخفيِّ منها، يقول علماء الجيولوجيا أنّ الذي يظهر من الجبل هو ثُلثُه فقط، هناك ثُلثُان مدفونان في الأعماق، وهكذا نحن، ما نخفيه أكثر مما نظهره، وأمراضنا ليست من الأشياء التي نأكلها وإنّما من الأشياء التي تأكلنا.

يا صاحبي في كل إنسانٍ وجع مهما أنكره، وفي كل قلبٍ غصَّة مهما أخفاها، هذه سنّة الحياة الدُنيا، خُلِقَتْ من كَبَدْ ولا تهوّنها إلّا رحمة الله..

لا تخدعنَّكَ المظاهرُ، ليس كُلّ شيء كما يبدو، الهادىء الذي تحسده على اتزانه قد يكون في قلبه نار لا يعلمها إلا الله، فلا العاصي مرتاح بمعصيته وإن التهى، ولا الطائع ثابتٌ بسهولة حتى يرتحل، الراحة التامّة ما كُتبِت على هذه اﻷرض، والذكي هو الذي زهَد عمّا فيها ونأى بنفسه عن منغصّات السلام في روحه إلى أن نعود إلى بيوتنا في جنّة السلام..

يا صاحبي في كُلِّ إنسانٍ وجع لو كشفه للآخرين لبكوا عليه!

هذه الحياة معركة طاحنة.. خلف الابتسامات التي تراها غصّات كثيرة يخفيها الناس عن الناس، ووراء الضحكات دموع لو رأيتها لقلتَ كيف يضحكُ هذا الذي كادت أن تجفَّ عيناه من كثرة ما بكى.. فترفّق وارفقْ وتغاضى وهوّن ولِنْ.. والسلام لقلبك.”

اللحظة الصادقة هى لحظة الخلوة مع النفس حينما يبدأ ذلك الحديث السرى,ذلك الحوار الداخلى,تلك المكالمة الإنفرادية حيث يصغى الواحد إلى نفسه دون أن يخشى أذناً أخرى تتلصص على الخط.

ذلك الإفضاء و الإفشاء و الاعتراف و الطرح الصريح من الأعماق إلى سطح الوعى فى محاولة مخلصة للفهم,و هى لحظة من أثمن اللحظات.

إن الحياة تتوقف فى تلك اللحظة لتبوح بحكمتها و الزمن يتوقف ليعطى ذلك الشعور المديد بالحضور حيث نحن فى حضرة الحق,و حيث لا يجوز الكذب و الخداع و التزييف,كما لا يجوز لحظة الموت و لحظة الحشرجة.

و قد تأتى تلك اللحظة فى العمر مرة فتكون قيمتها بالعمر كله.

أما إذا تأخرت و لم تأت إلا ساعة الموت,فقد ضاع العمر دون معنى و دون حكمة و أكلته الأكاذيب,و جاءت الصحوة بعد فوات الأوان.

مصطفى محمود

"لو قلّبتَ صفحاتِ أيّامك مُتأمّلًا لوجدتَ أنّ أكثرها أُنسًا وسلامًا وحبورًا هي ما كنت فيها إلى الله أقرب، وأن أيسرَ الهموم التي مرّت على قلبك هي التي اتخذتَ ربّك لها وكيلاً؛ فوالله مهما جرّبت أشكال الملاجئ فلن يَطعم هذا القلب حلاوةَ شيءٍ مثل قُربه من ربِّه.. اقترب من الله يقترب منك كل شيء جميل."