كتبت: روان مصطفى إسماعيل.
جلست ذات مره بمفردي عند الغروب أُشاهد بشاعة ظلي، وهو يمتطي الأرض، وينعكس أمامي كلما أهتز يهتز ،وكلما سكنت سكن. سئمت من ظلي فقد فاض بي الأمر بدأت أشعر أنه ليس بهالة تصاحبني، ولا بفراغ ينعكس مني إنه شبح أفكاري، ولهوي الخفي للجميع الظاهر الفاقع لونه في عيني لا أحد يرى بشاعتة سواي يؤلمني كلما إنعكست، وأرتسمت منه أشباح تطارد سلامي النفسي، وتؤرقني، والآن أجلس في إنتظار أن…
حبيبتي التي هي ليست حبيبتي بدأت تمتغص من ألمي، تنفر منه وتشمئز منه، وكأنهُ قيء، تقول لي، لا شيء يستحق الحزن، ابتهج كُن سعيدًا، في النهاية جميعنا سنموت، ولكن حبيبتي انا جثة! حبيبتي انا ميت، ربما ترينني الأن أقف أمامك، ولكني لستُ هناك، ما ترينه هو مجرد لحم وعظم، بلا روح، لقد كنت ميتًا منذ الأزل، خُلقت على تلك الشاكله، بهذا الحزن البشع وهالتي السوداوية تلك، لم أختر ما انا عليه.. لقد خلقت لتجسيده.. لأكونه، ولقد حاولت، أقسم لك حاولت بكل الطرق أن أكون شخصًا عاديًا، شخصًا يُمكننه الشعور بالسعادة ولا تفوح منه رائحة الحزن من كل اتجاه، ولكني مسخ، لا أحب مجالسة الناس ولا أجد في رفقتهم أي راحة او سعادة، لا أستلذ الأشياء بل أقوم بها كواجبات حتمية علي أن أقوم بها كي أكون على قيد الحياه، لا أملك هواية غير الكتابة وذلك لأنها وسيلتي لإبعاد حبل المشنقة عن رقبتي، ولا أحب تشابك الأيدي، يدي ترتجف، غالبًا ما أنزع يدي سريعًا مخبئًا اياها في جيوب معطفي، كي لا يري رجفتي أحد، لا أجيد التحدث بطلاقة كما الجميع، في الحقيقة لا اعرف كيف أتحدث اطلاقًا، حين أجالس الناس، يتعطل عقلي عن العمل ولا استطيع تكويين موضع حوار بسيط او التفوه بكلمة ذات معني حقيقي، أتفوه بالهراء، ولستُ شديد الملاحظة أيضًا حين يتعلق الأمر بالملابس، لن اعرف إن ابتضعتِ حذاءًا جديدًا واردتِ مني ان ألاحظة، ولأنني كثير النسيان أيضًا، قد أعيد لكِ الهراء نفسه الذي ظللتُ اتفوه به طوال مواعدنا الغرامي الجحيمي، ولا أملك أيضًا أيًا مشاعر أعطيك اياها.. مشاعري كلها حزينة لن تروقك فكرة أن امنحك اياها، ثقِ بي.
متوتر على الدوام بشكلٍ يجعل مجرد نزهه قصيرة معي أشبه بالتمشية في الجحيم، لا أعرف كيف أقول كلامًا معسولًا، فمي لا يتفوه إلا بالحقيقة الكامله بلا زيف او تغلييف، جسدي نحيف لن تُشعرك ذراعاي بالأمان أبدًا، وقلبي مضخه مياه ينبض بلا توقف، حين يلتصق جسدينا ستفزعك نبضاته، شخص روتيني يكره التغيير يخاف حتى من ظله، لا يحب الخطط ولا المفاجأت، لا أحب أغاني “عمر دياب” ولن أشاطرك المشاعر ذاتها حياله، لا أعرف كيف أحب، لا اعرف لونه او شكله، او ماهيته .. ولكنهُ بالتأكيد لن يكون برفقتي.
لفظ الجلالة ، هكذا سمى ووصف ، وهو للجليل الأجل سبحانه ، المنزه عن النقص والحاجة والمثل والشبيه ، له مطلق الأعاظم من كل وصف جميل يليق بجلاله عز وتعالى ..
هكذا بالفطرة ، تستشعر وجودا فوق الوجود غير مدرك ، هو سر الوجود ، وسبب كل موجود ، ولا سبب لوجوده إلا هو ، قائم بذاته ، حى قيوم ..
ثم بالفكرة ، تحتار فى العود إلى ذاك النقاء المنزه ، فهو إعمال الناقص فى إلهام الكامل ، وكيف يبلغ الدانى مبلغا هو حده ، بل لم يدرك كنه ذاته ، وآلة إدراكه تعجز عن الإحاطة بكل نفسه ، فكيف بمن نظمه وصور وجوده داخل الوجود المحيط المعجز ، والمذهل ..
هنا يستمد العاقل معقوله من إدراك هذا الحد ، والدانى يماد فى تدنيه ويصر على الإحاطة فلا يحيط إلا بتصور قاصر عن أن يبلغ شيئا فوقه ، لأنه حيث أحاط وتصور بنقصه قد تصور ما هو دونه بداهة ، وأصدمه حين أبلغه أنه حتى المتدن الذى تصوره لم يكن به محيط كما ظن ، فما زال السر مودع فى أدق مخلوق يعجزه عن أن يصنع مثاله من قريب أو بعيد ، وغاية مبلغه أن يستغل منفعته ويستكشف بعضا عنه ..
تحرر .. كما كنا قبل أن تكبلنا قواعد الإدراك ، وقبل أن تكبلنا الحواس ..
تحرر كما هى الروح السرية والتى لا تدرك أنك حين تشير لنفسك (أنا) فإنما لست تشير إلى ذلك الثوب البالى الذى ترتديه حينا من الدهر ثم يخلع عنك ، وإنما تشير لمكنون ذاتك التى تجهل ، وجماع وصفك من مشاعر ومعقول ومفهوم ، ومجموع طبائعك مما زكيت أو أذكيت ، تشير إلى روحك دون أن تدرك ..
فنافخها فيك أجل من أن تدرك ، وأبعد من أن تتصور ، هو قريب منك محيط بك وبكل شئ ، ظاهر وباطن فلا يحده مكان ، وأول وآخر فلا يحده زمان ، والمكان والزمان صنعته ، وكان ولم يكن شيئا سواه ، وهو العلى الكبير ..
إنما الذى تدرك أثر وصفه مما وصف به نفسه وأعلمك سره وخلق لك شيئا منه لتعرف ذاك الأثر ، فهو رحمن كيفما تعرف أثر الرحمة ، وفوق ذلك أرحم الراحمين ، وهو كريم كيفما تعرف أثر الكرم ، وفوق ذلك أكرم الأكرمين ..
وله من الوصف ما لم تجرب ، فلا ينفع إخبارك به لعدم قدرتك على فهم مدلوله ..
وهكذا ، نزهه عن كل نقيصة ومثل ، وقدسه تقديسا وأوجب له مطلق الكمالات فى الوصف والجلال فى الإسم ..
انا في وسط كل شيء الامر يصعب وصفه عقلي في نزهه بينما جسدي يكنس دمار حرب
كان من المحزن ان انفض الشارع لتستجد الحرب من جديد
مازال عقلي في نزهه لايريد استيعاب شيء يفضل ان يسكن جسدي الفراغ على ان يدرك حقيقة قاسية عقلي يهرب وجسدي الان يتورط لمحاصرة عقلي احتاج لمجهود مضاعف وجسدي في الوسط
في كل صباح كان يقف أمام مرآته، معتذراً لعمره العشرين علي قبوله بالمرور بهذة الطريقة، فَقَد كان مصاب بداء التفكير والأحلام والقلق والواجب والتطلع للمستقبل، حتّي أنه كان يفضّل النوم عن الأكل، والذهاب إلي العمل عَن الخروج في نزهه.
بالرغم من أنه كان حقًا يرغب بينه وبين نفسه أن تتغير حياته وأن يصبح شخصًا أخر غير الذي ألفه، لكّن محاولاته كلها باءت بالفشل، فعندما هيئه نفسه للخروج في نزهه، جرته أحد الأفكار من طرف قميصه ونبهته أن العالم في الخارج يتحرك بوتيرة عشوائية وأنه شخص منظم، حالِم، يكره السخافات..
و في النهاية سأم منه عمره العشرين و هرب في الليله التي أَوَى فيها إلي سريره ناسيًا باب الشُّقَّة مفتوح، ليترك له ماتبقي من الثلاثين والأربعين لتلتهم حياته وتُمزق ماتبقي له فيها من جسد وروح.