Tumgik
#عندي وجهة نظر ما عليكم
aioosh95 · 5 years
Text
Tumblr media
أقولكم سر ؟ سر هاهاها >زمان عن خفة الدم .. الزبدة شفتوا ذا المخلوق أعلاه ؟ تدرون إني كنت أحسبه شكل ميدوريا وهو مستخدم قدرته ؟ يعني كل ما كنت اشوف الصور احسبه ميدوريا واقول يوه وش صار فيه وش هالخياطات والحوسة 🌚 ..
9 notes · View notes
zahraaforest · 4 years
Text
"في البداية سأنطلق مما قاله فيلسوف الجنون في خضم عرضه لأطروحته، لقد صرح قائلا: "من أجل الحديث عن الجنون، ينبغي امتلاك موهبة شاعر"، بهذا الشكل لخص ميشال فوكو تقديم أطروحته. وقد أجابه حينذاك جورج كانغلهايم، عضو اللجنة المناقشه: " إنك تمتلكها، يا سيدي". أما بخصوص المداخلة التي أقترحها عليكم فهي تضم كلمتين ذات مهابة في النفوس و قيمة في العقول، وهما كلمتي الإنصاف و الجنون، الأول منهما يوحي بالتعديل وإحقاق الحق (باعتبار الفلسفة بحث عن الحقيقة)، نتيجة لما يمكن أن يمس الجنون والمجنون من ظلم وباطل. أما الثاني و هو متن الموضوع وصلبه المتمثل في الجنون، و ما يمكن أن يجري في فلكه من مفردات كالحمق و الهبل و الخرق ...الخ. وحين نقول"موضوع الجنون" وليس "جنون الموضوع"، فهذا يقحم، في الواقع، رهانا إتيقيا ينبغي علينا طرحه كشرط مبدئي لكل معالجة ممكنة، مادحة للجنون أو العكس. إنه من خلال تحديد هذا البعد الأخلاقي أريد أن أبدأ مداخلتي.
لكن لا بأس قبل ذلك أن نطرح مجموعة من التساؤلات التي تلامس الجوانب المظلمة و المناطق المجهولة للجنون: إذا كان الإنسان يتحدد بوصفه حيوانا عاقلا، وإذا كان العقل هو ميزته الخاصة، كيف يمكن لهذا العقل، الذي يبدو أنه كل الإنسان، أن يمنح معقولية، وجدارة وقيمة لمقابله، ولوجهه المظلم والمعكوس المتمثل في الجنون؟ أو لنقل هل يمكن للعقل أن يعترف بمعنى وقيمة للجنون؟ هل يمكننا قبول أن يكون الجنون صورة للحكمة، وشكلا من أشكالها، أو على الأقل، طريقا يسمح لنا من بلوغ الحكمة؟ هل هناك حقا معنى للرغبة في التوافق مع عالم عديم المعنى؟ ألا يوجد أسباب أخرى للرغبة في التميز عن عالم مجنون أكثر من التطابق معه؟ وبالتالي ما هو وضع الجنون (وكذا المجنون)؟
أولا: الجنون: الشائع والدلالات
-1- الاستخدامات المتداولة:
في الكثير من الأحيان، نصادف الجنون بالقرب منا. نراه حين نلاحظ استعمال كلمة "مجنون" في كلامنا اليومي. " أنني أحبك مثل "المجنون" !"، ينتشي العاشق و المغرم أمام موضوع رغبته. كما نقول: "إنه "مجنون"، حين الحديث عن سائق خطير. " إننا نلهو ونضحك كالمجانين!"، حين الكلام عن سهرة لا تنسى. الجنون هنا هو ذلك الذي، يبدو لامعقولا، يتحمس إلى الأقصى أو يأخذ مخاطر طائشة. لكن أيضا، هناك جنون آخر يستخدم في سياق ديني حين الكلام عن "جنون الصليب" أو ذلك الذي يرتبط بـ "مجانين الله" (fous de Dieu )، أو بشكل مختلف كذلك، حين الإشارة إلى الاتجاه السياسي الذي اتخذه الجنون عند هتلر أو ستالين.
إن الجنون الذي نتكلم عنه في الغالب، هو أيضا الغباء، الغرابة، البلادة التي تمسنا جميعا في بعض الأحيان، ولكن أيضا فيما يهمني طوال هذا العمل الاغتراب والغضب، والهوس أو المانيا ، جنون العظمة أو البارانويا، وجنون العظمة أو الميغالومانيا، وللكلام بشكل حديث، وبكيفية أكثر تحديدا، الفصام أو الشيزوفرينيا. موضوعي هو إذن الجنون و بالأخص الفصام أو الشيزوفرينيا والمقاربة المستعملة داخل كل قسم ستكون بينتخصصية (interdisciplinaire) عن طريق التوفيق بين مفاهيم الطب العقلي والفلسفة بالشكل المستخدم في العالمين القديم والحديث في آن واحد.
بهذا المعنى الواسع والفهم العامي يبدو أن كل واحد من عرضة لنوبات من الجنون، أو لنقل "إننا جميعا مصابون بالجنون. ربما تكون هذه إجابة الحكماء على ما يتردد من قول مأثور يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر:إذا أردت أن ترى مجنونًا، فما عليك إلا النظر إلى نفسك في المرآة"[1].
-2- الحقل الدلالي حول الجنون
يعترف أندريه لالاند في أن الجنون "لفظ عام ومبهم جدا"[2]، فهو مفهوم ضبابي غير واضح، ذي حدود غير مضبوطة بما أن الأمر لا يتعلق بتفسير ماهية الجنون بل بتقديمه بوصفه بديلا متاخما للعقل. إن الجنون، عند العديد من اليونانيين، هو الهوس (mania) الذي غالبا ما يكون مرتبطا مع عدة كلمات قديمة وبعواطف الروح التي غالبا ما ينظر إليها سلبيا: مينوس (menos) ، باثوس (pathos)، باثيما (pathema)، إيبيثوميا (epithumia)، للحديث بالإغريقية، و إنسانيا (insania)، فورار (furere)، ديليروس (delirus)، اضطراب (perturbation)، أنيمي (animi)، أو كذلك الليبيدو (libido) للمصطلحات اللاتينية. كل واحدة من هذه الكلمات تفتح الكثير من الفروق التي كان يعالج الجنون من خلالها في العصور القديمة اليونانية والرومانية: مرض الروح، المعاناة، الإلهام الإلهي، العاطفة، الشر، الرغبة، الحركة، الارتجاج، تؤثر، شهوة وغيرها.
من الملاحظ أن هناك تنوعا في الأبعاد و الدلالات التي يمكن أن يأخذها الجنون عند فلاسفة اليونان القدامى. تارة ينظر إلى الجنون إيجابيا حينما يفتح للعلم بشكل خفي تنبؤات (présages)، و تارة أخرى ينظر إليه سلبيا عندما ينسب إلى أمراض الروح التي تورط في المغالاة (intempérance). ربما، في الأساس، أنه يوجد في الجنون بعض من الإيجاب و السلب حتى وإن كان ذلك من خلال الرؤى الجديدة التي تفتحها و المعاناة التي، غالبا ما، تولدها هاته.
ثانيا: الجنون عند الإغريق القدامى
لقد تعودنا على مقاربة الثقافة اليونانية من خلال التفكير والمنطق الفلسفي، غير أننا نشعر عموما بدهشة حين نرى بزوغ اللاعقلاني داخل فكر معروف بوصفه مهد العقلانية الغربية. " لم يولد آدم حكيما، وكذلك حواء. وكانت ثيمة جنون البشر أمرا بديهيا في فلسفة العصور القديمة وفي حكمة الشرق ولدى شعراء جميع القارات، والكتاب الأخلاقيين، ومنهم إيراسم، ومونتين، وباسكال وروسو"[3]. هناك بالطبع كل هذه الآلهة التي، من قمم الأوليمبوس إلى أعماق البحر، تملأ الكون، غير أن نسبها الجد مفصل وطابعها الجد بشري يجعلانها تفلت من خطورة عالم اللغز والسحر، "و قد تبدى الجنون، في الأساطير الدينية المبكرة والحكايات الخرافية، بوصفه قدرا أو عقابا"[4]. نقطة الانطلاق لهذا الجزء من العمل، مستقاة من مقال ج. ديفرو[5] (G. Devereux) الذي يشد انتباهنا إلى اللامنطقي، وذلك من خلال مقتطف من فيدروس لأفلاطون.
لقد بين باسكال أن الفلاسفة من أمثال أفلاطون وأرسطو رغم أننا لا نتصورهم إلا بحلة علمية ومعرفية كبيرة، إلا أنهما في الحقيقة رجلان نزيهان ومثلهم مثل الآخرين، يمازحان أصدقاءهما، وفي سعيهما لوضع القوانين و السياسة يقومان بذلك بنوع من السخرية و الفكاهة، إن هذا العمل ليس سوى الجزء الأقل فلسفة من حياتهما، أما الجزء الأكثر فلسفة فقد كان العيش ببساطة وفي سلم وهدوء، وحتى وإن كتبا في السياسة، فقد كان ذلك يشبه تنظيم مستشفى للمجانين، وإذا ما تظاهرا كأنهما يتحدثان عن شيء عظيم، فذلك لكونهما يعرفان أن هؤلاء الحمقى الذين كانوا يتحدثان معهم كانوا يعتقدون أنهم سيصبحون ملوكا وأباطرة. لقد كانا يسلمان بمبادئهم ويندمجان معها لكي يكبحا جنونهم ويخففا منه إلى أقل ضرر ممكن، حيث قال في الخاطرة رقم 331: " لا نتمثل أفلاطون وأرسطو إلا بأثواب مدعي العلم الواسعة. رجلان من ذوي الصلاح شأنهما شأن سائر الناس بمضاحكة الأصدقاء. تلهيا بتصنيف "الشرائع" و "السياسة" فصنفا هذه وتلك لاعبين، وهذا الشطر من حياتهما كان أقلها فلسفة وترصنا. وما كان أحراهما أن يعيشاه ببساطة وسكينة. وكأني بهما كتبا في السياسة لينظما مستشفى مجانين، وإذا كانا قد تكلفا التكلم عنهما تكلمهما عن أمر خطير فلمعرفتهما أن المجانين الذين يخاطبان يفكرون في أن يصبحوا ملوكا وأباطرة. وقد تكيفا بمبادئهم حتى يعدلا جنونهم بأقل ما يستطاع من الإساءة "[6].
-أ- جنون أغامنون
" لست أنا المذنب، بل زيوس"، يصرح أجاممنون الذي يتهم الله بأنه أعماه وقاده إلى خطف عشيقة أخيل كتعويض عن فقدان عشيقته الخاصة. "ماذا كان بوسعي أن أفعل؟ الألوهية سوف تفعل دائما ما تشاء ". لقد كان الجنون قبل الآن عند الإغريق مرتبطا بمفهوم المسؤولية. أما بالنسبة لنا، فغالبا ما يترافق تشخيص الاضطراب العقلي والجنون باللامسؤولية الجنائية، ولكن عند اليونانيين في العصور القديمة، لم يكن معترفا بالنية: كان يحكم على الأفعال، كذلك أجاممنون، المذنب، يجب أن يقدم تعويضا عن لأخيل عن فعله: "أنا مستعد لعقد سلام وتقديم تعويضات كافية". سيدفع ثمن أفعاله.
-ب- تصور الجنون وفق هوميروس و معبد دلف
في القصائد والأشعار الهومرية، نحن نرى الآلهة تفتن وتسحر الإنسان وتدفعه للقيام بأشياء ضد إرادته. "الآلهة يمكنها أن تجعل الإنسان الأكثر رشدا مجنونا، و أن ترد العقل للمجنون". إن الآلهة هي مصدر الجنون، فهو يأتي منها، غير أن الحمق لا ينظر إليه دوما بشكل سلبي مثلما هو الحال في مثال أجاممنون المستمد من الإلياذة. الجنون ليس دائما شيئا ينبغي الهروب منه أو تجنبه بما أن الأحمق، في بعض الأحيان، هو ذلك الذي يبدو ملهم بشكل يحسد عليه، و بهذا عندما ننسب إلى الشعراء سامعو الصوت الإلهي قرابة مع معبد أو هيكل دلف[7].
-ج- تصور الجنون في الفلسفة اليونانية
في النصوص الفلسفية، إنه أ��ل عند الآلهة، ولكن عموما في الإنسان، في عواطفه أو الجزء اللاعقلاني من روحه، هو الذي نعثر فيه على مصدر الجنون الذي يبقى غالبا هنا منظورا إليه بشكل سلبي إذا كان يدفع الإنسان للذهاب إلى ضد ذاته أو ضد ما هو معقول. عند الرواقيين (Stoïciens)، نجد شيشرون يصف المسؤولية الإنسانية، لا الإلهية في الجنون أو الحماقات عندما يقول أن أمراض الروح، المختلطة مع العواطف الفاسدة، لا يمكن أن تحدث دون أخطاء من طرفنا بما أنها "مستمدة من احتقارنا للعقل رغم أنها لا توجد إلا عند البشر ".
-د- الجنون العادي و الجنون الإلهي
يقوم ديفرو بتحليل فيدروس أفلاطون. الجزء الأكبر من الكتاب هو عن الحب والكتابة من خلال حوار سقراط وفيدروس. وهناك أيضا مسألة الجنون، ونظرية التذكر وتناسخ الأرواح وهجرتها (transmigration des âmes). هذا الملخص قد يجعل البعض يعتقد بلاتجانسية الموضوعات – وهو ما أوخذ عليه أفلاطون - ولكن في الحقيقة كما لاحظ العديد من المؤلفين، و يعتبر دريدا واحدا من المتأخرين الأكثر شهرة، هناك وحدة فكر وتناغم بين هذه المواضيع. في هذا الكل، ركز جورج ديفرو تفكيره على بعض الأجزاء فقط، التي من بينها تلك التي تتناول مسألة الجنون / الهذيان، و"يستخدمها" للحديث عن الشامانية. لقد بدا لنا إذن مناسبا أن نذكر بإيجاز بالتصور المعتمد من قبل أفلاطون ولكن أيضا من طرف ديفرو بهدف فتح الآفاق التي يوفرها هذا المقال.
وعموما، يميز أفلاطون ضمنيا بين جنون من أصل عادي وجنون من أصل إلهي، أي أن هناك:" نوع سيئ، وهو الهوس الذي يصاحبه ولع جسدي؛ ونوع جيد، ملهم سماوي"[8]. هذا الأخير هو الذي كان يتحدث عنه بشكل ضمني، وهو الوحيد القادر على جعل جملة سقراط: التي علق عليها كثيرا مفهومة:"إن أعظم النعم تأتينا من الجنون". وتجدر الإشارة إلى أن من بين العديد من الترجمات والتعليقات الفرنسية، وحيث الجنون والخبل، والتملك والهذيان هي كلمات غالبا ما تكون قابلة للترادف وتستعمل تبادليا. سوف نحافظ على كلمة الجنون التي نجد أن حقلها الدلالي الحالي هو بالتأكيد الأكثر عمومية، وبالتالي أيضا الأكثر محايدة من وجهة نظر الطب العقلي. هذا الجنون الإلهي المقدس، يقسمه أفلاطون إلى أربعة أشكال: الجنون النبوي (prophétique) تحت ستار أبولون؛ الجنون الطقوسي (rituelle) أو البدئي (télestique) تحت غطاء ديونيسوس؛ الجنون الشعري (poétique)، المستوحى من ربات الفنون أو الملهمات (les muses)؛ الجنون الإيروسي (الجنسي) (érotique)، المستلهم من أفروديت وإيروس.
بين وجهة نظر أفلاطون وديفرو التي تتبعها، من المهم أن نذكر شيطان سقراط: " كثيرا ما سمعتموني أتحدث عن راعية أو وحي يأتيني، وهي معبودتي التي يهزأ بها مليتس في دعواه، ولقد لازمني ذلك الوحي منذ طفولتي، وهو عبارة عن صوت يطوف بي فينهاني عن أداء ما أكون قد اعتزمت أداءه، ولكنه لا يأمرني بعمل إيجابي.."[9]. " العلة في هذا هو ما سمعتموني كثيرا، وفي كل مكان، أردده عن صوت إلهي و دايموني يظهر لي، وهو ما ذكره ميلتوس في دعواه متخذا منه موضوعا للسخرية. وقد بدا هذا عندي منذ كنت طفلا: صوت معين يظهر، وحينما يحدث هذا، فإنه يصرفني دوما عن شيء كنت أفكر في عمله، ولكنه لم يأمرني قط بعمل شيء"[10]. " كما نسبتم لي في عدة مرات وعدة أماكن سمعتموني أقول: يتجلى لي شينا ما إلهي، شيطاني [...]. البدايات تعود إلى طفولتي. إنه الصوت الذي، عندما يجعل نفسه مسموعا، يبعدني دائما عن ما سأفعله، ولكن لا يدفعني أبدا إلى العمل ...". هذا الشيء، نجد أن كل من بلوتارك (Plutarque) و آبولي (Apulée) قد فسراه، عندما قرباه إلى معبد دالف، في بعد نبوي في حين أن الدكتور لولو (Lelut)، وهو طبيب أمراض عقلية فرنسي كبير، يؤيد في كتابه "حول شيطان سقراط" (1836) أن الصورة الرمزية إذا كانت فعلا موجودة للفكر اليوناني، كانت تعاني من الجنون وأن عبقريته أو فكره المألوف لم يكن سوى ثمرة له هلوساته. من ناحية، الجنون الإلهي، ومن أخرى الجنون العادي.
ديفرو هو أيضا ميز بين أربعة أنواع، ولكن دون أن يقسم الجنون إلى عادي وإلهي، في تأسيس تصنيفيته الإثنوبسيكاترية لاضطرابات الشخصية. هذه النمذجة ليست عبارة عن وصف للأمراض (nosographie)، لهذا يرجع ديفرو إلى التصنيفات الغربية التقليدية، بالطبع قبل إستحداث ما يعرف بالدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلي (DSM)، والتي، يجب أن نشير إلى أنه، ليست في الواقع سوى ترتيبات وتدابير إحصائية دون مشروع تصنيفي للأمراض. وبالتالي يميز ديفرو: اضطرابات الأنماط، التي تتصل بنمط البنية الاجتماعية؛ الاضطرابات العرقية (الإثنية)، التي تتصل بالنموذج الثقافي للمجموعة؛ الاضطرابات" المقدسة " من نوع الشامانية؛ الاضطرابات الفردية الخصوصية (*idiosyncrasiques). "(1977: 13)
أ) سفينة المجانين
إن اللوحة الشهيرة "سفينة المجانين"[11] (la nef des fous) لجيروم بوش (Jérome Bosch) ترمز إلى ما كان عليه وجود الحمقى خلال فجر عصر النهضة. إنها تلك " السفن التي كانت تنقل حمولتها الجنونية من مدينة إلى أخرى وجدت حقا. ولهذا، فإن الحمقى كانوا يعيشون حياة التيه "[12]. المجنون هو العابر (المسافر) بين ضفتين التي لا ينتمي إليهما؛ حيث لا يمكنه السكن إلا خلال العبور. إن الجنون مستبعد من المدينة، إلا أنه لم يتم إنزاله بعد في بنية الأخلاق الديكارتية التي تعتبر المجنون باعتباره محروم من كوجيتو الإنسانية. رمزية الماء الذي هو في آن معا إلهي (المجنون هو جسم عائم (طاف، إنه غير متجذر لا في إيمانه، ولا في الكنيسة) و الذي لديه أيضا قوة التطهير (تنقية). الجنون المبتكر (المبتدع) على طول الماء يحكم بالتالي بالتيه والحيرة على "الركاب غير المناسبين والضارين" (passagers incommodes) المطرودين من المدن بحثا عن أماكن ووجهات مجهولة ينتظرون فيها نجاتهم. هذا الإبحار ينقل و يطهر، يسلم إلى مصير مجهول (حيرة/ لايقيني)، "فالإبحار يسلم الإنسان إلى قدر غير محدد"[13]. "فالمجنون المحتجز داخل مركب لا يستطيع فكاكا منه، قد سلم أمره للنهر ذي الاذرع الكثيرة، وإلى الماء ذي السبل المتعددة – إنه يسلم نفسه إلي عالم اللايقين الرهيب الموجود خارج كل شئ. إنه مسجون ضمن السبل الأكثر حرية والأكثر انفتاحا: إنه موثوق بشدة إلي الملتقيات اللانهائية. إنه بؤرة المرور بامتياز، أي أسير العبور. والأرض التي سيحط فيها تجهل عنه كل شئ، تماما كما لا تعرف اليابسة التي تطؤها أرجله من أى أرض هو آت. فلا حقيقة له ولا وطن إلا فى ذلك الامتداد الخصب بين البراري التي (أرضين) لا يمكن (ه) الانتماء إليها"[14].
إن خطاب الحمقى في الأدب يعلن، نهاية العالم، الرقصة الجنائزية (dance macabre) الموجودة من قبل في قلب عالم الموت. التجربة الهزلية والمأساوية للجنون تجمع الوجوه المسعورة التي تغرق في الليلة المستحضرة من قبل بوش (Bosch)، بروغل (Bruegel) ودورر (Dürer)*. موضوع الموت يتحول ويصبح المجنون تجسيدا لما كان يمثله من قبل الأجذم (المصاب بالجذام): توضيحا للحالة الإنسانية. " فها هو ذلك القلق الكبير يراوح مكانه في السنوات الأخيرة من القرن. لقد حلت سخرية الجنون محل الموت وجديته. و من اكتشاف ضرورة اختزال الإنسان في لا شيء، ننتقل إلى التأمل الاحتقاري لهذا اللاشيء (ترجمت خطأ لهذا الشيء) الذي هو الوجود ذاته. (...) إن الرأس فارغة وستتحول إلى جمجمة. إن الجنون هو الحضور المسبق للموت (وبهذا المعنى فإن تجربة الجنون وثيقة الاتصال بتجربة الجذام. فطقوس إقصاء المجذوم تبين أنه وهو حي يشهد على حضور الموت). (...) ما يوجد في ضحك المجنون هو أنه يضحك مسبقا من ضحك الموت، والأخرق وهو يتنبأ بالمأتم، ينزع عنه سلاحه."[15].
في المسرح والأدب، شخص المجنون له أهمية معتبرة: لقد بدأت شخصية الأحمق والأبله والغبي في الأشكال الهزلية والأهجوات تكتسب أهمية كبيرة.لم تعد هامشية، ولم يعد ينظر إليها باعتبارها كيانا مضحكا ومألوفا. لقد أصبحت تحتل الموقع الأساس داخل المسرح، كما لو أنها المالكة للحقيقة. (...) فإذا كان الجنون يأخذ صاحبه في دوامة حيث يفقد السيطرة على نفسه، فإن المجنون، على العكس من ذلك، يذكر الكل بحقيقتهم"[16].
سفينة المجانين تصبح مستشفى في وقت لاحق من خلال هذا التشكيل الأولي لـ "الكوجيتو" من طرف العقل الذي أدخلها في بنيته.
ب) ايراسموس، تجربة نقدية للجنون
هذه التجربة تصادف تجربة أخرى للجنون، نقدية هذه المرة، غريبة عن السابقة. مدح الجنون لإيراسم بمثلما نجده عند مونتاني (Montaigne) قادر على السيطرة على الجنون والتحكم فيه، أن يضعه على بعد مسافة ويخضعه، معتما وحاجبا جهة الظل التي تمثل حقيقة الجنون. إن الجنون محاط بالعقل الذي يحكم عليه. إنه يخضع لمبدأ السبب و يصبح "صورة للعقل". "ذلك أن حقيقة الجنون لا تشكل الآن سوى شيء واحد مع انتصار العقل والتحكم النهائي فيه: إن حقيقة الجنون هي أن يكون موقعه داخل العقل، أن يكون إحدى صوره، أن يكون قوة وحاجة آنية لإثبات وجوده"[17]. ويعتبر كتاب "مدح الجنون" محاولة كتبت سنة 1509 من طرف إيراسم الروتردارمي وطبع أولا سنة 1511 (وسيعاد نشره سنة 1532). لقد راجع وطور إيراسم عمله، في الأصل أولا متصورا أثناء عودته من رحلة روما، وكتبه في أسبوع واحد، عند وصوله عند توماس مور، مؤلف اليوتوبيا، في ملكيته التي كانت له في بوكليرسبوري (Bucklersbury). ويعتبر هذا العمل أحد من الأعمال التي كان لها تأثيرا كبيرا على الأدب في العالم الغربي، و كان من الكتب المحفزة على الأصلاح. إن العنوان الإغريقي "مدح الجنون" يمكن أيضا أن يفهم باعتباره ثناءا لمور لأن الكتاب، كما يسميه، قد أهداه لتوماس مور، صديقه الكبير، وهو ما يفسر لعبة الكلمات للعنوان الأصلي "Encomium Moriae".
محاولة إيراسم مليئة بالتلميحات الكلاسيكية الموضوعة على طريقة الإنسانويين المتعلمين للنهضة. وقد عرض الجنون (La folie) باعتباره واحدا من الآلهة، ابنة الثروة والشباب؛ من بين مرافقيها نجد "فيلوتيا" (النرجسية)، "كولاكيا" (المداهنة)، "ليثي" (النسيان)، "ميزوبونيا" (الكسل)، "هيدون" (اللذة/المتعة)، "آنويا" (التهور)، "تريف" (الطيش)، "كوموس" (المجون)، و "إيغريتوس هيبنوس" (النوم العميق).
[...] هم يفعلون العكس، إنهم قتلة أقربائهم والمسيح. يبرهن ايراسموس هنا، من خلال طريقة البلاغة المسماة أديناتون (Adynaton) التي تستند إجمالا على المبالغة العبثية (منافية للعقل) للإشارة إليه، أن كلا الفعلين غير متسقين وبالتالي يدين هذا العمل المشين،كل هذا مع السخرية منهم، بواسطة نزع المصداقية عنهما، و من خلال احتقارهما وازدرائهما.
مهما يقول عني معظم الناس (لأنني لست جاهلا بكل السوء الذي نسمعه يقال عن الجنون، حتى من قبل أكثر الناس جنونا)، بيد أنه أنا، و أنا وحدي، الذي، بفضل قوتي الخارقة وقدرتي الفوق طبيعية، ترتسم البهجة على الآلهة والبشر. لقد أتيت للتو على إعطاء الحجة المدوية؛ فبمجرد أن ظهرت وسط هذا الجمع الكبير، لأتناول الكلمة، حتى أشرقت ملامح المرح الأكثر جدة والأكثر غرابة على جميع الوجوه، وزالت التجاعيد من كل الجباه؛ لقد صفقتم علي مع ضحكات جد محبوبة وجد سعيدة لدرجة أنكم أنتم من جئتم من كل مكان ومثلما أراكم، تبدون لي سكارى برحيق آلهة هوميروس ممزوج بشراب السلوان (népenthès)، في حين أنكم قبل وقت قليل كنتم على مقاعدكم جد مسودين (مظلم) ومهمومين كما لو أنكم خرجتم للتو من كهف تروفونيوس (Trophonius)[18]. ولكن عندما تظهر الشمس وجهها الذهبي الجميل للأرض، وعندما تهب نسائم الربيع الجديد اللطيفة بعد شتاء قارس، حينها وعلى الفور تأخذ كل الأشياء وجها جديدا، ولونا جديدا وشبابا حقيقيا؛ بنفس الكيفية ما إن رأيتموني حتى تغيرت تقاسيمكم وتبدل شكلكم. وهكذا ما يمكن بالكاد أن يتحصل عليه خطباء موقرين من خلال خطاب طويل أخذ منهم وقتا طويلا لإعداده، أعني طرد الهموم والمخاوف البغيضة من الروح، لم أقم سوى بالظهور للوصول إلى ذلك.
ما الذي أتى بي اليوم في هذا الزي الغريب (هذه الحلة غير المألوفة)، سوف تعرفونه إذا كان هذا مع ذلك لا يجعلكم تأسفون لمنحكم إياي أسماعكم (آذانكم)، ليس بالطبع تلك التي تفيدكم في سماع الدعاة و المبشرين المقدسين، بل تلك التي درجتم على توجيهها نحو مشعوذي الأسواق الموسمية، والبهاليل والمهرجين*، تلك التي أظهرها قديما "ميداس" (Midas) لـ "بان" (Pan)[19].
لأنني قررت أن أقوم قليلا بدور السفسطائي أمامكم، ليس مثل سفسطائيو اليوم الذين يغرسون في الأطفال خزعبلات معقدة و يعلمونهم المجادلة والمخاصمة بشكل أكثر مكابرة وعنادا من النساء، بل بتقليد قدماء السفسطائيين الذين كانوا، من أجل الهروب من تسمية "الحكيم" المخزية والمهينة، يفضلون تسمية "السفسطائيين". كانت مهمتهم تكمن في الاحتفال بالثناء ومدح مجد الآلهة والأبطال. ستستمعون إذن مديحا، ليس لهرقل (Hercule) أو سولون (Solon)، بل الخاص بي، أي مدحا للجنون.
لا أهتم سوى قليلا بحالات أولئك الحكماء الذين يدعون و يصرحون أن هذا هو قمة الجنون (الغباء) والسفاهة (الوقاحة) أن نغني هذه الإشادات الخاصة (أي أن نمدح الجنون فذاك يبدو قمة الجنون). جنون كما يحلو لهم (فليسموه جنونا بقدرما يشاءون)، شريطة أن يعترفوا أن هذا يناسبني تماما، وبشكل يثير الإعجاب. لأنه ما الذي يمكن أن يكون أكثر اتساقا من يكون الجنون مغنيا لمديحه الخاص، وجعل نفسه منشد الثناء الخاص به؟ من الذي يمكنه أن يشيد بي أفضل من نفسي؟ ربما كان هناك شخص يعرفني أحسن من ذاتي؟
يبدو لي أكثر من ذلك أنني بهذا أعطي الحجة على أكثر تواع من أغلب العظماء والحكماء، الذين، من خلال حياء حربائي فاسد يتخطون خطيبا فصيحا أو شاعرا ثرثارا، ويرشونه لسماعه يتلو مدحهم، أعني بهتانا و كذبا خالصا. ومع ذلك، فإن الشخص المتواضع، مثل الطاووس ينشر ذيله وينصب قامته، بالاستماع إلى المتملق الوقح الذي يساوي للآلهة هذا الإنسان الذي لا يساوي شيئا، ويقترحه كنموذج كامل من جميع الفضائل، وهم يعلمون جيدا أنه عكس ذلك، يزينون الغراب بالريش المقترضة، يعملون على تبييض الأسود، وجعل الذبابة فيلا. وأخيرا، أتبع هذا المثل الشعبي القائل أنه محق ذلك الذي يمدح نفسه عندما لا يجد أي شخص آخر للقيام بذلك. وعلاوة على ذلك، في هذا الصدد، أنا مندهش من جحود أو كسل وقصور بعض البشر، الذين يجعلونني كلهم عبادة دؤوبة، يتمتعون بكل سرور بمحاسني، ولكن لا واحد منهم، منذ قرون كثيرة، برز للاحتفاء مع الامتنان بمحاسن الحماقة (الجنون)، بينما رأينا أناسا أضاعوا ... ونومهم من أجل التباهي والتفاخر في خطب وضعت بعناية، البوزيريس ()، الفالاريس ()، الأربعة حمى، والذباب، والصلع وآفات أخرى من هذا النوع. الخطاب الذي سوف تسمعونه مني سيكون مرتجلا ودون إعداد، وأكثر صدقا.
جنون المعيارية (السواء)
أكثر من الأنانية أو الكسل، يبدو أن الرضا الذاتي عن النفس هو السمة الأكثر تمييزا للإنسان. وقبل محاولة فهم هذا الأمر، نجد أننا في الكثير من الأحيان نحكم على الآخرين بأنهم أقل شأنا منا. إذ حول أبسط فرق في السلوك واللغة نقول غالبا: "هذا ليس طبيعيا/عاديا". ولكن عندما نفكر لمحاولة لمعرفة ما نريد حقا قوله بهذا نجد أنفسنا جد محرجين... ما يتبادر أولا إلى الذهن هو أنه "لا ينبغي فعل هذا"، أو أنه "ليس جيدا"، وبالتالي لا يجب أن نقبل ذلك، ولكن بالعكس من ذلك رفضه وإلغاءه. ومع ذلك، لنواصل تفكيرنا، فقد يتبين لنا جيدا كذلك أن هذا الرفض نفسه قد يحمل من قبل الآخرين على نفس هذا الحكم.
وهكذا تبرز مفارقة العادي: إن "المجنون" يمكنه أيضا أن يصرح بأنه أنت هو المجنون. لا أستطيع، في النهاية، أن أعارض حكمه سوى بفعل إيمان أو نوع من القناعة المسبقة التي تجعلني أريد أن أميز نفسي عنه بأي ثمن. وهكذا يمكن للمرء أن يجادل دائما بأن "الآخر هو المجنون"، وهو ما يعني أن في قناعتنا الداخلية الحميمية بأننا طبيعيين وعاديين، يمكن أيضا دائما أن نكون "مجانين بالنسبة لشخص آخر". ويبدو أن كل هذه الأمثلة من الخطاب العامي المشترك التي تقول العادي انطلاقا من صور الفروقات (مجنون، جنون، أحمق، معتوه، أخرق، هذيان، الخ) تظهر أن مفهوم «عادي/ طبيعي» لا يمكن أن يعرف مسبقا وبشكل بديهي بكيفية واضحة وعالمية، بل على العكس من ذلك، إنه مفهوم استفهامي يجب أن نحاول التركيز عليه. "في اللغة التي نستخدمها لمناقشة و وصف المرض العقلي، هناك أمور عديدة تتقاطع لتخلق تشوشا وسوء فهم، ونحتا تدريجيا لكلمات وتعبيرات تقليدية. لم يعد من الواضح معرفة مكان كلمات مثل مجنون، معتوه، مختل، مخبول، بهلول، مجذوب، درويش، عبيط، مهبول، مرجوج..."[20]. ولكن، إذا ل�� يكن هناك معيار "للطبيعي/العادي" فإن صعوبة محاولة توضيح هذا المفهوم تبدو غير ممكنة.
إنها ليست مسألة نعت أو حالة، الجنون، الذي سوف يؤثر على ما نعتبره كموضوع إنطلاقا من هنا. على العكس من ذلك، وبمجرد أن قبلنا الجنون كظاهرة، فإن الأمر يتعلق بمعرفة إذا كنا نستطيع نمنحه سمة موضوع أم لا، وهو ما يعني اذا كنا نستطيع إعطاءه معنى. المسألة ليست ثانوية بل أساسية، إنها مصدر تمييز الجنون - الذي وضع له ميشال فوكو تاريخا بطريقة حاسمة - وتقسم في الوقت الحالي المياه التي تسبح فيها المعالجات والممارسات النفسية. إن اختزال ظاهرة الجنون في سببية بيوكيميائية أو وراثية يستبعد في الواقع أي افتراض لموضوع للجنون ليختزله في حالة باثولوجية (مرضية) للعضوية. إننا بهذا الشكل نجعل من الجنون اضطرابا غريبا تماما عن الحالة التي نعتبرها عادية، و لكن بوجه خاص نحن نقصي أي افتراض لموضوع له معنى في إقحام الجنون في الوجود.
إن إدخال المريض للمستشفى (hospitalisation) يسمح بالتحكم في التأثيرات المسببة للأمراض لبيئة المريض. [إن الجنون لم يعتبر دوما مرض عقلي. إنه مرتبط بشكل وثيق بظروف ثقافية واجتماعية ومتصل بها مباشرة. الرغبة في علاج الجنون يطرح مشكلة السواء و المعيارية (normalité)]. إن الجنون يصحح العقل، يذكر ميشيل فوكو في كتابه تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي أن "مجنون الملك" (مهرج البلاط) كان في آن واحد مستشارا وشخصا يقوم، من خلال سخريته وتهكمه، بالتقليل من الأهمية التي كان يريد السادة الأقوياء منحها الأشياء. خلال عصر النهضة، قام ايراسم بـ "مدح الجنون". من خلال هذا العمل، حاول أن يبين أن كل عقل له جنونه، وبالمقابل لكل حماقة عقلها. يقوم المجتمع بصناعة مجانينه، في الوضع الراهن للمعرفة في علم الأعصاب، فإنه من المستحيل تماما البرهنة على أن الجنون له أسباب عضوية أو كيميائية، أو وراثية. إنه إذن ظاهرة ثقافية أساسا. وبالتالي، إن إعطاء الدواء إلى مكتئب (un déprimé) يسمح بالتخفيف من ألم الحياة، لكنه لا يسمح بعلاج السبب، الوجودي، لهذا الألم.
إننا نعزو بطريقة عفوية موضوعا ومعنى للعقل إ��ى هذا اللوغوس حيث نحن منغمسين بوصفنا كائنات كلام، وحيث ننام في هدوء طيلة الحياة. والمسألة تكمن في محاولة معرفة إذا ما كان باستطاعتنا منح موضوع للجنون أو لا، حينما يوقظنا من حلم العقل هذا الذي، كما نعلم حسب الرسام غويا (Goya)، يولد وحوشه الخاصة. عملية فرويد كانت، في الواقع، تهدف إلى إظهار أن "موضوع العقل" و "موضوع الجنون" ليسا منفصلين عن بعضهما البعض، و أن نفس اللوغوس هو الذي يحركهما، نفس المنطق المكتشف داخل بنية اللاشعور.
ضمن هذه الرؤية الفرويدية، الحدود الفاصلة بين الجنون و السواء الحكيم ليست محددة ومضبوطة و لا نهائية. إنها ليست مسألة تشخيص (diagnostique) أو تصنيف (taxonomie) بل مسألة إيتيقية خالصة. إننا نكتب دائما كلمة "معيارية" بين علامتي اقتباس، كعلامة للحذر إزاء هذا المفهوم الذي لن يكون أبدا بوصلة موثوق فيها للاهتداء في مجال أخلاقيات الرغبة التي دافع عنها سيغموند فرويد وجاك لاكان. في الواقع، "المعيارية" بالمعنى السليم هي بالنسبة لكل واحد منا ما يجعلنا الآخرون نعتقد أنه أمر طبيعي وعادي - ولهذا السبب من الحكمة أن يكتبه بين علامات اقتباس، كما لو أن الأمر يتعلق باقتباس، بكلام قيل من طرف الآخرين. ولهذا السبب نجد أنه بالنسبة للآخرين الأمر "الطبيعي" ليس مختلفا كثيرا: إنهم يعتقدون أيضا أن المعيارية هي ما يقول الآخرون أنه طبيعي.
هكذا، إن أفضل تعريف أمكننا إعطاءه للمعيارية ليس مشجعا جدا. إنه فقط ما تعتقد الأغلبية أنه عادي وطبيعي ليس إلا، و هو الأمر الذي حين نريد الاهتداء و البحث عن الوجهة، في الواقع، ليس بالضرورة الأكثر استحسانا وهو غير مثمر للغاية. المعيارية هي في نهاية المطاف المقياس الإحصائي القائم على مفهوم "المعيار"، أي ما نجده في معظم و أغلب الحالات.
مسألة الحدود بين الجنون والحس السليم قد أصبح بالفعل مشكلة صعبة للغاية عندما كنا نطرحها باعتبارها مسألة "معيار/ قاعدة" لرسم الخط الفاصل بين العادي والمرضي. الحس السليم سيكون بالتالي المعيارية والصحة الجيدة، والجنون هو اللامعياري والمرضي. على الرغم من أن كان هناك تقليد فكري قد ازدهر بالتعارض مع هذا الجمود، إلا أن هناك من لا يزال يهتدي ويتحرك وفق هذا النمط السلبي المسلم به في الممارسات الأكثر تنوعا التي تمس فرادة الذات. على العكس من ذلك، لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا الخطأ للـ"المعيار" هو، أيضا، جنون وحماقة، هذيان جد عادي، بالمعنى الإحصائي للكلمة. هناك، مثلما يظهره التحليل النفسي، بعض المصابين بالبارانويا أو ما يسمى بجنون العظمة طبيعيون تماما ويتمتعون بصحة جيدة من وجهة نظر القاعدة الاجتماعية (المعيار الاجتماعي). لهذا السبب لا يخلط التحليل النفسي بين الذهان (psychose) والجنون (folie).
لقد صرح مونتاني "ماذا نصنع بتذكر كم نشعر بالتناقض في حكمنا ذاته! ". وبالتالي، كل حكمة لا يمكن تكتسب سوى على أساس من اللاوعي، والطبيعة واللامعقول ومن خلال تناقضات أحكامنا. وبالتالي تحديد الحدود بين الحس السليم والجنون يمكن أن يصبح إذن جنونا حقيقيا: كل واحد منهما ينطوي على الآخر في داخله، هذا أقل ما يمكننا قوله. في هذا الاتجاه كتب باسكال يقول، في استشهاد كان ذكره جاك لاكان عدة مرات، وفي راهنية أبدية، لم يؤخذ على محمل الجد بما فيه الكفاية: " الناس مجانين حتما، حتى أنك تكون مجنونا – بضرب آخر من الجنون (بنوبة أخرى من الجنون) – إن لم تكن مجنونا"[21]. وهذا يعني أنه، لنكون "طبيعيين/عاديين"، يجب أن نكون مجانين، أو أنه ليس هناك جنون أسوأ من ذلك الذي يسلم نفسه للعقل ويؤمن كلية بحكمته الخاصة. إن هناك جنون ضروري للكائن وسيكون جنون آخر، ولكن في الغالب سيكون من التناقض، في الطريق الأخلاقي للرغبة، عدم المعرفة الجنونية بهذا الجنون.
في الواقع، يمكننا أن نجزم أن هذا الموضوع يصبح مجنونا بالضبط حينما لا يمكنه أن يحدد و يلاحظ هذا الجنون الضروري بالوسائل المتاحة له وهو يبقى خارج الرابط الاجتماعي مع الآخرين. إلى حد الآن، يبدو كل شيء عادي... هكذا، الموقف الإتيقي مثلما تفرضه عبارة "موضوع الجنون"، يجعل من هذا الأخير حدث بنية في كينونة الرجل ... والمرأة – حتى وإن اكتشف التحليل النفسي أن الجنون ليس نفسه عندهما – .
لاكان والجنون
لقد "كان جاك لاكان ينتقد النظرية العضوية للجنون الذي لم يعد أكثر من مرض عقلي:" بعيدًا إذن عن كون الجنون عرضًا ملازمًا لضعف الإنسان، فإنه التعبير الافتراضي الدائم عن الثغرة المفتوحة في جوهره […] وبعيدًا عن كونه "إهانة" للحرية؛ فالجنون هو رفيقها الوفي، ويتبع خطاها بالضبط. وليس أن الكائن البشري لا يمكن فهمه من دون الجنون فحسب، بل إنه لن يكون كائنًا بشريٍّا إن لم يحمل في داخله الجنون كحد لحريته"[22]. عرف جاك لاكان، خلال تجربته الأولى كطبيب نفسي في سنوات الأربعينات هذا الموقف الإتيقي الذي مختومة لقاءه مع التحليل النفسي على النحو التالي: "بعيدا إذن عن أن يكون الجنون هو الفعل المحتمل لهشاشات العضوية وضعف الجسم، هو الكمون الدائم والافتراضية المستمرة لشرخ مفتوح وخلل أو ثقب في ماهيته. بعيدا عن أن يكون بالنسبة للحرية "إهانة"، هو رفيقها الأكثر إخلاصا، إنه يتبع حركتها مثل الظل"[23]. ظاهرة الجنون ليست منفصلة إذن عن مشكلة المعنى عند كائن اللغة، إنها متأصلة في تجربة المعنى واللامعنى عند الإنسان وينبغي أن تعامل على هذا النحو بالنسبة لكل الموضوع. في صيغة "يجب أن تعامل على هذا النحو" يكمن التحدي الأخلاقي الذي يدافع عنه التحليل النفسي للعودة بموضوع الجنون إلى مكانه ومسؤوليته في عالم اللغة. ها هي نقطة المنعرج في لقاء المحلل النفسي الشاب جاك لاكان مع إكلينيكية الذهان (psychose)، لقاء كان من المفترض أن يقوده في وقت مبكر إلى التحليل النفسي. هذا اللقاء كان له اسم وتاريخ، إنه الحالة الشهيرة لإيمي (Aimée) لأطروحته في عام 1932، التي تعتبر في كثير من الأحيان كآخر أطروحة كبرى للعيادة النفسية قبل أن تتراجع تدريجيا لتصبح تقنية دوائية (technique pharmacologique). هذه الأطروحة كان لها كعنوان "حول الذهان العظامي (psychose paranoïaque) في علاقاته مع الشخصية"، وكانت تحلل الظواهر الوهمية الحاضرة في الذهان، وخاصة اظواهر اللغة في الإنتاج المكتوب لإيمي، وهي امرأة كانت قد مرت إلى فعل القتل في علاقة متناقضة مع الوجه المثالي لمضطهدتها. من المستحيل فهم ثوران ذهانها، و المرور إلى فعل القتل والتهدئة اللاحقة للذات المرافقه بتفسير وهمي فياض وحرفي دون تحليل دقيق لعلاقة الذات بظواهر اللغة، لما لاحظه لاكان نفسه، سنوات قليلة بعد ذلك، بوصفه البنية الدالة للهذيان. وبموجب هذا التوجه، سيحلل لاكان المعطيات الرمزية لموضوع الجنون بوصفه بنية دالة ناتجة عن نقص، التهرب من دال البدائية، المتمثل في اسم-الأب، أي "لا بد من وجود قانون، من تواجد سلسلة، من انتظام نظام رمزي. لا بد من تدخل نظام الكلام، بمعنى تدخل الأب، وبالضبط على شاكلة إسم-الأب"[24]. وعلاوة على ذلك، نصادف دائما، إذا قمنا بتحليل كل حالة على حدة، ترابط رمزي جد دقيق لحظة هياج الذهان التي تمس هذه النقطة: عندما تقترب الذات في تاريخها من هذه العقدة الرمزية، يمكن أن ينفتح ثقب في الواقع، وهنا ينبغي عليه ابتكار قصة في مخيال توهمه. إذا أصبح الإنسان مجنونا فذلك لأنه وجد في الواقع شيئا ما لا يستطيع استوعابه ودمجه في الكون الرمزي. إنه على ضوء هذا المنطق فقط يمكننا متابعة دراسة الروابط الملغزة الموجودة بين تجربة الجنون وبعض الاكتشافات الأساسية في مجال العلم والفكر. لنذكر على سبيل المثال حالة جورج كانتور (Georg Cantor) واكتشافه الأرقام الفوق متناهية (nombres transfinis)، أو حالة كورت غودل (Kurt Gödel) وصياغته لنظرية عدم الاكتمال التي دمرت عقل منطق عصرنا.
هناك جانب معين تخيلي و إبداعي متصل بالأوهام والهلوسات والأفكار الهذيانية التي تميز الجنون الذي أمكنه أن يعطي لبعض مغامري التفكير طعم و ذوق معرفته. لقد استطاع العديد من الفنانين ولا زالوا يحاولون، عن طريق المخدرات أو عن طريق وسائل أخرى، عيش حالة هذيان من أجل الجانب الإبداعي الذي هو مرتبط به، حتى "أن بعض العباقرة الموسيقيين والمغنين لا يبدأون في التلحين أو الغناء إلا بعد أن يتعاطوا بعض المخدرات أو بعد شرب كمية كبيرة من الخمر"[25]. إذا اعتقدنا أحيانا أن المجنون –و لعل الفصامي، في الأدب، هو مجنون بامتياز- باعتباره "ممتلك" من طرف الآلهة، قوى الشر أو الظلام، كان يظن أنه أيضا مستثمر من قبل العبقرية الخلاقة وبالتالي يساهم من هنا في نوع من المصلحة لمحيطه. وهكذا يتحدث إميل سيوران (Emil Cioran) عن غنائية (lyrisme) المجنون قائلا: " الذهانات تتميز، في بدايتها، بمرحلة غنائية حيث تنهار الحواجز والعقبات لإفساح الطريق لسكر داخلي الأكثر إثمارا ". حيثما كان، في جميع التقاليد، المجنانين، الذهانيون، الفصاميون تم ربطهم باللغز والحلم، وغالبا بالغرابة، وأحيانا بالمس والسحر ولكن أيضا بالعبقرية المبدعة، والإلهام، والرومانسية و الغنائية ... حتى أنه أمكن أن يحدث أن بعض الفنانين والمنظرين، مثل السرياليين، يرغبون أو يسعون للحصول على اختلال توازن فان جوخ (Van Gogh)، وإميل نليغان (Émile Nelligan)، و أنطوان أرتو (Antonin Artaud) والكونت لوتريامون ( Comte de Lautréamont) للانتقال الى المصادر العميقة التي لا تنضب للإبداع.
عندما يصبح الإنسان مجنونا، فإنه لا يفقد العقل، ولكن قد يحدث أحيانا أن نحمله إلى آخر نتائجه بكيفية جد صارمة من ذلك الذي تمكن من تجنب هذا الثقب للامعنى الواقع وعبثيته. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم القول المأثور لجيلبير كيث تشيسترتون (Chesterton)، نقلا عن لاكان نفسه في أطروحته عام 1932: "ليس المجنون من فقد عقله؛ المجنون هو الذي فقد كل شيء ما عدا العقل". في الواقع يتعلق الأمر بفهم المنطق الذي يقود العقل الوحيد حينما فقد اتصاله مع الآخر الرمزي للإستجابة لوضع اللامعنى المفتوح في وجوده. بالنسبة لنيتشه، هناك ضرورة للامنطقي واللاعقل لأنه، " حتى الشخص الأكثر تعقلا يحتاج من حين لآخر للعودة إلى الطبيعة، أي إلى العمق اللامنطقي لعلاقته مع كل الأشياء"[26].
الخاتمة:
على الرغم من التراكم الهائل لعلامات الجنون البشري، لا زلنا نعتقد أننا عقلاء أكثر. إن سبب هذا العمى يمكن تفسيره بسهولة إذا أجبنا على السؤال: من هو المجنون؟ المجنون هو الآخر، بطبيعة الحال. انه من المثير تقريبا أن نرى المهارة التي يدين بها إنسان إنسانا آخر، وكل طرف الطرف الآخر. واحدة من بين نقاط الضعف البشري العظيم هي العجز عن ملاحظة أولئك الذين نعتبرهم مجانين بعيون تمنحهم قدرا مهما يكن قليلا من العقل والحق، أو أن النظر إلى أنفسنا بعيون هؤلاء المجانين من الزاوية التي هم ذاتهم لا ينظرون ل��نفسهم بأنهم مجانين."
1 note · View note