الصراخ لم يعد كافيا، الصراخ لا يجدى!

لست أفهم أيًّا مما يحدث بداخلي. العالم أصبح مرعبا وصغيرا إلى حد كبير. فقدت إدراكي لذاتي وللأشياء، ولم أعد أحمل أي مشاعر جيدة تجاه أي أحد أو أي شيء. ليس بداخلي شيء. لا أستطيع التصديق أن قلبي الذي اعتاد منح المحبة لكل الناس والأشياء، عاجز الآن عن الشعور بأي محبة أو أي فرح. ربما ما يزيدني جنونا هو عدم قدرتي على إيجاد سبب مقنع لهذه الحالة التي أنا فيها الآن. أذهب لطبيبتي بانتظام، وفي كل مرة أصاب بالإحباط؛ حيث أنها بشر وليس بوسعها فعل شيء غير نصائحها المعتادة بأهمية تناول الدواء بانتظام. جسدي مهزوز جدا. أحس أني أرتجف. أنظر إلى قائمة المعارف والأصدقاء في محاولة لإنقاذ نفسي، فأجد أني استنفذت محاولاتي الأولى، وأن الكل سئم من التكرار، بل إن الكل عاجز عن المساعدة. أفكر في أن هذه هي النهاية، وأن على الاعتراف بذلك وإنهاء كل شيء. البارحة حدقت في حبوب الدواء التي جمعتها بجهد لتسهيل الأمور عليّ ساعة اليأس والاستلام التام. تناولت حفنة صغيرة منها، ولم أكمل. ما الذي أوقفني؟ فكرة أن على أن أجمع المزيد منها أولا؛ كي أنجح في فعلتي من المرة الأولى. إلا أنني لا أطيق صبرا. كلما فكرت في أسباب جيدة للبقاء على قيد الحياة، فشلت؛ فأنا غير قادرة على الشعور. وهل يمكن لمرء أن يعيش بلا قلب؟ أين أنا منِّي؟ من هذا الشخص الذي يكتب هذه الكلمات الآن؟ لم يبق إلا لوم النفس المعذَّبة يوميا، وتربية اليأس حتى تحين اللحظة الفاصلة!

ازاي الورد حلو والقلب دبلان كدا؟

أجلس في شرفتي، أدخن بشره وكأن دخان السيجارة هو الدليل الوحيد على الاحتراق. تلك فكرة قديمة جدا. ليس بإمكاني حتى الإتيان بتشبيه جديد قد يصف ما أشعر به الآن. أجلس وحدي أمام لوحة المفاتيح، أستجدي اللغة أن تساعدني في الإتيان بشيء يشبه التأوه أو الأنين. أبحث عني وسط نوبات الذعر فيزداد ذعري. إلى من تنتمي هذه اليد التي تكتب الآن؟ إلى من ينتمي هذا الجسد الثقيل؟

"شارفتُ على الانتهاء!" هكذا فكرت؛ فتسارعت أنفاسي، وازدادت ضربات قلبي بشكل يصعب فيه حتى الجلوس في مكان واحد بهدوء. رأيتُ أن العالم - الذي لقَّبتُه ب "الخرِب" في الماضي - ينهار الآن دفعة واحدة فوق رأسي. لم أستطع لا إصلاح العالم ولا إصلاح نفسي. كم شعرتُ بالخذلان والمرارة. ماذا بيدي أن أفعل غير استباق النهاية؟ أكاد أفقد صوابي وليس بيدي حتى الصراخ!

عزيزي؛ لم أجد طريقة أنتصر بها على خرسي غير أن أكتب إليك. نظرت حولي اليوم وفزعت. لم أجد أحدا. تعبت من الصمت. بل تعبت من عجزي عن إيجاد أي كلمة تصف ما أشعر به الآن. جسدي كله يريد الصراخ برغبته في عناق دافئ مطمئن من أحدهم. لديّ قلب عاطل عن العمل. وكلما حدقت في قلبي لا أجد إلى الأشباح.

من أجمل التماثيل اللي شفتها لحد دلوقتي. حبيتهم جدا ❤️

Bookmarks ❤️

Berlin 19/3/2024

حيث إني مش عارفة أكتب، لو حطيت صور لأماكن أو حجات شفتها وحبيتها (شبه يوميات) هيكون كويس بردو ولا لأ؟

‏ثم قالت: "أشعر ببعض القوة، وأخاف قول ذلك بصوت عالٍ لعلمي أنها لن تدوم."

وأسأل الشجر: "كيف هو شعور الانتماء لمكان ما في العالم؟"

‏"هل الأمل حقيقة أم وهم؟" سألتُ بيأس. كنت أظن في الماضي أن إجابة هذا السؤال بديهيَّة. وحتى إن كان الأمل وهما، فلِمَ تزداد الأمور صعوبة رغم أن الوهم صديقي الأثير؟

لم أضق ذرعًا بالجمال أو لذة المحبة، وإنما توارى اليقين بصفائهما.

* أماني أبوشبانة

كنتُ ممزقة بين عالم أضيق بيه ذرعا، وبين عالم أحلم به. كانت الحيرة تهشم إيماني بالتجربة. كان الألم عالمي الأوحد والأخير.

رأيت صورتي تهتز أمام عيني، ولم أحرك إصبعا كي أعينها على الثبات. سُئلتُ عدة مرات "ما بكِ؟ أين يكمن الخطأ؟" فسألت نفسي ألف مرة "من أنا؟"

على خدي قبلة قديمة أحبها، وأعود إليها كلما تمادى القلب في حزنه.

*أماني أبوشبانة

أحن لي. أحن لتلك الصغيرة التي رأت ضلال العالم ولم تجزع. أحن لتلك الطفلة التي ملكت العالم بضحكتها. الآن، وبينما يذبل الورد بداخلي، أجلس بهدوء وأشعل سيجارة للذكرى. كنت هنا يوما أبتسم، وأغني.

* أماني أبوشبانة