أي: هذا ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ سنقصه عليك، ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا، وآثاره الصالحة، ومناقبه الجميلة، فإن في قصها عبرة للمعتبرين، وأسوة للمقتدين، ولأن في تفصيل رحمته لأوليائه، وبأي: سبب حصلت لهم، مما يدعو إلى محبة الله تعالى، والإكثار من ذكره ومعرفته، والسبب الموصل إليه. وذلك أن الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته، وخصه بوحيه، فقام بذلك قيام أمثاله من المرسلين، ودعا العباد إلى ربه، وعلمهم ما علمه الله، ونصح لهم في حياته وبعد مماته، كإخوانه من المرسلين ومن اتبعهم، فلما رأى من نفسه الضعف، وخاف أن يموت، ولم يكن أحد ينوب منابه في دعوة الخلق إلى ربهم والنصح لهم، شكا إلى ربه ضعفه الظاهر والباطن، وناداه نداء خفيا، ليكون أكمل وأفضل وأتم إخلاصا.
ألزم نفسك بصحبة الذين يدعون ربهم دعاء عبادة ودعاء مسألة أول النهار وآخره، مخلصين له، لا تتجاوز عيناك عنهم، تريد مجالسة أهل الغنى والشرف، ولا تطع من صَيَّرنا قلبه غافلًا عن ذكرنا بختمنا عليه، فَأَمَرك بتنحية الفقراء عن مجلسك، وقَدَّم اتباع ما تهواه نفسه على طاعة ربه، وكانت أعماله ضياعًا.
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : " رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطيعا، إليك مخبتا ، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدد لساني، وثبت حجتي، واسلل سخيمة قلبي ". قال أبو الحسن ال��نافسي : قلت لوكيع : أقوله في قنوت الوتر ؟ قال : نعم.