إن الفن كان ولا زال سبيلًا لتقدم المجتمعات وتعزيز الجمال ونشره ليس فقط من الناحية الظاهرة في الشكل بل في النواحي المعنوية أيضا، فمن خلال الفن بشكل عام هنالك نشر لرسائل يقرئها المشاهد وإننا نقصد على وجه الخصوص الفنون البصرية التي ليس بالضرورة أن يكون لها تفسيرا مكتوبا بل هي تفسير لذاتها، وإن لمن الصعوبة أن توضع القوانين لتحكيم الفن لأنه قد وصل ما وصل إليه من مستوى من الحرية لا يقبل فيه الفن التقييد، فعندما يكون للمجتمع قوانين معينة تجد الفن بعيد عن تلك القوانين بنسبة معينة، عندما نسأل هل هنالك أزمة بين الفن والأخلاق؟ فلا بد أن يكون هنالك ضرر قد حصل من أحداهما على الآخر فهل أضر الفن الأخلاق أم الأخلاق أضرته؟ يستنكر الفن بصوت عال بأن الأخلاق قد قيدته، بينما الفن يهدف الى حرية أكبر تمنعه الأخلاق من الوصول إليها للتصدي للضرر الذي قد يصيب صاحب الفن بذاته او المشاهد للفن او التصدي للضرر الذي قد يصيب الاخلاق نفسها.

أما كيف يضر الفن الأخلاق؟  مثال ذلك عندما تٌستغل الأحداث الإنسانية بصورة فنية ظاهرها حسنٌ وباطنها ليس كذلك، فتجد الفن أحيانا هدف للوصول والظهور وإبراز الذات من خلال الاحداث الإنسانية، وإن الضرر ليقع على الأخلاق بمجرد فعل هذا الأمر حتى لو لم يكن ظاهرًا بل ضرره مخفي تحت ذلك الفن، نعم الحُكم على الفن او صاحبه في تلك الحالة صعبٌ لأن الضرر ليس ظاهر وإن الأزمات ليست بالضرورة أن تكون ظاهرة بل في الحقيقة أكثرها بين الانسان ونفسه، بين الفن وصاحبه. ومن هنا فإن وُجدت الأخلاق مٌحكمتًا على الفن فهي تُقيده على نفسها ولكن الأخلاق في تعريفها وفي خصائصها وأسبابها تختلف من شخص لآخر وبين مجتمع وآخر وبين الأديان كذلك، أن من الصعوبة ان توجد قائمة تحدد ما هو بأخلاقي وما هو عكس ذلك وإن وُجدت فإنها لا تنطبق على الجميع.

تنعكس صفات صاحب الفن على فنه كما تنعكس صورة الانسان في المرآة ولكن لا يمكن لمس تلك الصورة واقعيًا، كلما حَسِبَ صاحب الفن حسابًا للضرر الذي قد يصيبه على ذاته او على غيره او المعنى الأول والنية المبدئية لإنجاز ذلك الفن كلما كان أقرب للأخلاق، وكلما قل الاهتمام بذلك الحسبان كان أبعد عن الأخلاق، لأن قلة التفكير وقلة استغلال الوقت وعدم تثبيت النوايا الأولى والمعاني المبتغاة كل ذلك يورث القفز على الأخلاق بشكل مباشر او غير مباشر.