اليوم يُصادف ذكرى وفاة أبي وقد أيقنتُ أن الفواجع تبقى كما هِي ولو مر عليها دهر ، وأن الحُزن على الراحلين لا يموت ، رحم الله ملامح لا تغيب عن البال وحديثًا اشتقنا لسماعِه. لم أعرف يوماً حُزناً أكبر من حزن موت أبي الذي جعل في قلبي ثقباً يزداد بحنيني وشوقي إليه، موتِه الذي علّمني أن الحياة تموت بموت من نُحبّ رحم الله قلباً لو فنت الدنيا ما أتت بمثله اللهم ارحم أبي برحمتك الواسعه وبث النور في قبره وصبرنا يالله
رحم الله شيب شعره ورائحته , ضحكاته وكلماته اللهم ارحم أبي واغفر له. اللھم ارحم وجهً أحن إليه وروحاً كسرني غيابها وأوجعني رحيلها اللھم ارحم أبي رحمة تسع السمٰوات والأرض. اللهُم اجعل ذلك الوجه البشوش في أعلى مراتب النعيم ، اللهُم ارحم أبي برحمتك التي وسعت كُل شيء، اللهم خفف عنه وحشة القبر، وآمنه بأمانك واحفظه بجوارك يا أكرم الأكرمين
ثقيلةٌ الحياة بدون أب مهما كان الإنسان يتظاهر فيها بالقوة ، موت الأب ألمٌ مميت ، من مات أبوه فقد سنده وإن بلغ ما بلغ ، كسرٌ وفقدٌ شديد ، وحياةٌ أخرى أنتزعت منها الفرحة وأفقدت أصحابها لذَّة الأشياء ، فقدان الأب كسرٌ لا يُجبر ، رحم الله أبي وجميع موتى المسلمين . لا أملك إلا أن أقول أحسنوا لمن تحبون ، فإن الشوق بعد الموت لا يطاق
لا تخف من المستقبل فالذي رزقك بالأمس سيرزقك غداً .. والذي كفاك همّ الأمس سيكفيك هم الغد .. والذي حفظك صغيراً سيحفظك كبيراً.. لذلك لا ترهق نفسك بالتفكير .. فأطمئن وتوكل على الله..
قال المصور اليوناني الشهير يانيس بيخراكيس ، الذي توفي عام 2019 عن هذه الصورة لاب سوري لاجىء يقبل ابنته الصغيرة : ( كنت اتمنى ان اكون هذا الاب ، اعتقد ان كل ولد يتمنى يكون له اب مثل هذا الرجل ، هذه الصورة تؤكد ان هناك ابطال اسطوريون .. هو لا يلبس معطفا احمر ، ولكنه يتدفىء بكيس نفايات اسود .. بالنسبة لي يمثل الاب المثالي الكوني الذي يقبل بكل حنان ورقة ابنته الصغيرة في هذه الظروف الصعبة ، كمن يقول لها قومي يا ابنتي حان وقت المدرسة )
عندما كنت في السادسة عشر ذهبت مع والدي لزيارة أمي في المستشفى، ذهبنا صباحاً.. كانت الغرفة مزدحمة يومها، نادتني أمي لأقترب، همست لي بكلام لم أفهمه ثم ضَحكت فضحكتُ معها دون أن أخبرها عن عدم فهمي لما قالت، حاول جميع من في الغرفة ذلك اليوم أن يعرفوا ماذا قالت لي، وكنتُ أمتنع تحت ذريعة السرّ ، وأمي تضحك كلما امتنعت، وأنا أُجاريها بالضحك وكل من في الغرفة يضحك أيضاً، ولا أحد يعرف أنني حقاً لا أعرف ماذا قالت
بعد عودتنا للمنزل شعرت بغبن شديد، هذا السرّ يخصني! لماذا لا أعرفه؟ قررت ليلتها أن أسأل أمي عن هذا السرّ..
في الصباح ماتت أمي، أول ما فكرت به عند سماعي لخبر وفاتها هو ذلك السرّ، ربما كان كفيلاً بترتيب حياتي أو يكون نكتة قد أضحك عليها بقية عمري. من يومها وأنا أشعر بخلل في ذاكرتي، نقص في تكويني، خسارة فادحة في عمري، مثل خطأ هندسي في رسم مخطط منزل لم يتم اكتشافه إلا بعد انتهاء البناء..